تجلس سلوى خلف مكتبها وملفات العمل مكدّسة أمامها، فجأة تتلقى اتصالاً من مديرها الذي يستدعيها إلى مكتبه، يعتريها الخوف والاستغراب معاً وهي تسير نحوه، تطرق الباب، تدخل، تقف أمامه … في يد المدير ورقة تعجز في البداية عن فهم مضمونها، لكنها سرعان ما تكتشف أنها: “ترقية”، تطير سلوى من شدّة الفرح فأخيراً أثمرت جهودها، تمدّ ذراعها لانتشال الورقة من يد المدير، لكنّ شفتاه تقتربان منها في محاولة لتقبيلها رغماً عنها، تمسك سلوى حقيبة يدها الحمراء وتُردي بها المدير وتخرج من المكتب مُسرعة .
سلوى هو فيلم كرتوني ابتدعته شابات ناشطات للاحتجاج على التحرش الجنسي والمعاكسات التي تتعرض لها الفتيات، حيث تظهر في الفيلم سلوى تتعرض للعديد من محاولات التحرش الجنسي في العمل والشارع والمواصلات، وتقوم من خلال حقيبتها الحمراء بمواجهة المتحرش وتعنيفه، سواءً بضربه بالحقيبة أو عبرَ رشّ مادة فعالة من سبراي تحمله معها في الحقيبة، والتي تؤلم الشاب المتحرش عندما تطلق رذاذها عليه .
وفي هذا الإطار، تشرح فرح قبيسي منسقة حملة سلوى، ” أنّ سلوى هي كلّ فتاة لبنانية متعلّمة، ظريفة، تحبّ الحياة، قوية الشخصية ولكنها تعيش ما يعيشه الأطفال والنساء في مجتمعاتنا من تحرّش يومي سواء في مكان العمل أو في أي مكان آخر، وقد ابتكرنا وسيلة لصدّ هذه التحرشات، من خلال حقيبة سلوى التي تتضمّن كتيب تعريفي عن التحرش الجنسي وأشكاله وكيفية مواجهته، وصفارة وبعض الادوات لمواجهة أي حادثة اعتداء أو تحرّش ” .
وتؤكّد جازمة ” أنه لا يوجد إمرأة في لبنان لم تتعرض للتحرّش الجنسي، فالتحرش هو ظاهرة شائعة جداً وبالرغم من شيوعها إلا أنها مسكوت عنها ولا يتمّ الحديث بها وهي من التابوهات التي لا يجب الإقتراب منها، والمشكلة أننا نتعايش مع هذه الظاهرة بوصفها أمر طبيعي، ومهمتنا أننا نحاول تغيير هذا الواقع والتغيير يبدأ بالحديث والتعبير عن قضية من هذا النوع، والحديث عنها في العلن هو بداية لكسر الحاجز النفسي ومدخل لإعادة الثقة في نفس المرأة ” .
كسر حاجز الخوف
وترى قبيسي ” أنّ التحرّش هو محاولة قهر أكثر من محاولة التعبير عن رغبة جنسية، لأنه تعبير عن نظرة دونيّة للمرأة، ويعود إلى تركيبة المجتمع الذكوريّة التي تعطي الحق للرجل في السيطرة على المرأة، فالتحرّش تعبير عن علاقات النفوذ في مجتمع قائم على الطبقيّة أو العنصرية أو التمييز الجنسي، وهذه هيَ الأسباب المباشرة للتحرّش، وعندما نريد أن نعالج مشكلة التحرّش، علينا أن نرى ترابط هذه المواضيع ببعضها، لأن تغيير وضع المرأة مرتبط بتغيير تركيبة المجتمع ككل ” .
وتشير إلى أن ” حملة سلوى تقوم بجلسات نقاش ودعم تشارك فيها نساء تعرّضن لتحرشات، والفكرة من هذه الجلسات التعرّف إلى تجارب وقصص هؤلاء النسوة، ومعرفة أساليب التحرّش المعتمدة في المجتمع “، وتختم بالقول ” نحنُ نطالب بسنّ تشريعات قانونية جديدة تحمي المرأة من المتحرّشين وتضع عقوبات على جريمة التحرش، فلم يعُد الصمت حلاً مجدياً لهذه المشكلة المستفحلة، فالتكتم الذي يلتزمه الأطفال والنساء عند تعرّضهم للتحرّش، ساهمَ بمساعدة المعتدي على الاستمرار في فعلته، لذا علينا كسر حاجز الخوف من أجل مناهضة هذه الظاهرة السائدة ” .
وحولَ الفرق بين الملاطفة والتحرّش، توضح ” أنّ التحرش هو دعوة لفعل جنسي معيّن وله أشكال متعددة بدءاً بالنظرات الشاخصة مروراً بالكلام وصولاً إلى اللمس، فالتركيز في الكلام على مفاتن جسد الجنس الآخر وعلى أعضائه التناسلية يُعدّ تحرّشاً، فيما الملاطفة بإمكانها أن تكون إعجاب بالآخر لكن بأسلوب مهذّب ولائق “، وتقول بدهشة ” ما نسمعه من طلاب المدارس أمر خطير جداً، وهم يذكرون حوادث مروا بها ومواقف تعرضوا لها ” .