إكس خبر- موقف الولايات المتحدة من تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش» ما زال حائراً ومحيّراً. إزداد غموضاً بعد ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي علناً على يد إرهابي داعشي يتكلم اللغة الانكليزية بلكنة بريطانية. ردُّ أوباما على الجريمة الحدث كان قوياً وحذراً في آن. دعا «الحكومات والشعوب في الشرق الأوسط لاستئصال هذا السرطان لئلا يتفشّى». كيف؟ قال إنّ الولايات المتحدة تبحث في خيارات مختلفة للردّ على هذه «الجريمة الهمجية».
وزير الدفاع تشاك هايغل أعطى، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، جواباً مغايراً. قال إنّ واشنطن تعمل على «رسم استراتيجية طويلة المدى لمواجهة داعش»، وإن هزيمته لن تحدث فقط عبر الضربات الجوية. جواب ديمبسي جاء مشروطاً ومباشراً: «ثمة إمكانية لهزيمة «داعش» إذا تمّت مهاجمته في سورية وليس فقط في العراق».
هل جواب ديمبسي يشكّل موقفاً أميركياً جديداً في التعامل مع سورية أم أنه مجرد رأي؟
يبدو أنه رأي… حتى إشعار آخر. ذلك أنّ مصدراً في الخارجية الأميركية فسّر حديث هاغل وديمبسي عن «تعاون أو تنسيق» بين الولايات المتحدة وإيران في العراق ضد «داعش» بأنه غير وارد، كما أنه غير وارد في سورية بين واشنطن ودمشق كون الرئيس بشار الأسد «جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل»، كما يقول أوباما.
التعاون والتنسيق بين أميركا وسورية غير وارد لا بالنسبة لواشنطن ولا بالنسبة لدمشق. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن قيام الولايات المتحدة بمهاجمة «داعش» داخل سورية غير وارد. إذا ورد، فذلك يعني أن تدخلها العسكري، بأي شكل يحدث، إنما يتّم من دون موافقة سورية. ولعل التبرير الذي ستقدمه واشنطن لتدخلها هو التذرع بضرب «داعش» بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن 2170 الصادر مؤخراً في ظل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. صحيح أن القرار المذكور لا يولي أحداً حق استخدام القوة ضد «داعش» داخل سورية دونما إجازة صريحة من مجلس الأمن، غير أن الولايات المتحدة لن تتوقف أمام هذا الاعتبار. ألم تباشر في ضرب «داعش» داخل العراق دونما ترخيص من الأمم المتحدة وحتى قبل صدور قرار مجلس الأمن 2170؟
لا صعوبة في تفسير سياسة أميركا الراهنة في الشرق الأوسط عموماً وحيال سورية والعراق وحرب «داعش» عليهما خصوصاً. فهي ما زالت ممعنة في تنفيذ سياستها المعتمدة في عهدي بوش الأب والابن والقائمة على أساس الهيمنة على دول المنطقة، ومنع غيرها من الحلول محلها إذا ما تعذّر عليها ذلك. هذه السياسة المعروفة بإسم «الفوضى الخلاّقة» تنطوي في الواقع على إجراءات ميدانية لتفكيك دول المنطقة كما مجتمعاتها. لذا هي لا تعادي مخططات الحركات الإسلامية المتطرفة، شأن تنظيم «داعش»، التي ترمي إلى الأغراض نفسها وإن لدوافع مغايرة، بل تتعاون معها أحياناً لتحقيق أغراض ومصالح مشتركة. ألم تتعاون وكالة الاستخبارات المركزية مع «داعش» عبر تركيا لتوريد الرجال والسلاح إلى كلٍ من سورية والعراق، واستمر ذلك إلى أن أعلن أبو بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين في حزيران الماضي وباشر «داعش» بعد ذلك توسعه في العراق وصولاً إلى تهديد أربيل، عاصمة إقليم كردستان، والتلويح بإجتياح بغداد العاصمة ايضاً؟
توسّع «داعش» هدد مصالح الولايات المتحدة، السياسية والنفطية، فكان لا بد من فسخ عقود تأجير الخدمات التي أبرمتها معه، ودعوة دول المنطقة إلى الإمتناع عن تمويله وتسليحه، بل قامت بمهاجمته بغارات جوية متلاحقة داخل العراق لمنعه من التوغل في إقليم كردستان وتهديد مصالح أميركا فيه.
من الواضح أن الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بترتيبات اتفاق سايكس-بيكو، لكنها لا تمانع في إجراء تغييرات داخل حدود خريطته السياسية القائمة. هي لا تمانع في تفكيك العراق إلى ثلاثة أقاليم متمايزة شريطة أن تبقى كلها داخل دولة عراقية لامركزية أو كونفيديرالية، وأن تبقى المصالح النفطية لأميركا وأوروبا وغيرهما من دول الغرب مصونة ومزدهرة. هي لا تمانع في تطبيق المخطط نفسه في سورية وللأغراض نفسها، خصوصاً أنه يتطابق مع مخطط «إسرائيل» الرامي إلى تزنير نفسها بمجموعة من «جمهوريات الموز» القائمة على أسس قبلية أو مذهبية أو اثنية، فلا تستطيع بحكم تعدديتها وتشرذمها وعداء بعضها لبعضها الآخر أن تشكّل قوة قومية متجانسة في مواجهة الغير، لا سيما الكيان الصهيوني.
«داعش» يخدم بسياسته وأنشطته العسكرية مخططات التفكيك والتقسيم والشرذمة في المنطقة، فلا مصلحة للولايات المتحدة في أن تستأصله لأن المستفيد من ذلك سيكون بالتأكيد سورية وإيران. قد تتدخل ضده إذا ما شعرت بأنه تجاوز حدوده، بمعنى حدود مصالح أميركا وأوروبا و«إسرائيل»، فتعمل على صده وحتى تحجيمه. لكنها لن تصل إلى حد ضربه بغية تصفيته.
تختلف سياسة الولايات المتحدة مع إيران في العراق عنها في سورية. فهي لا تمانع في التعاون مع طهران بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، لا سيما في المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية في شأن برنامجها النووي. في هذا المجال، لا تمانع واشنطن في دعم طهران لبغداد في كل ما من شأنه إقامة حكومة وفاق وطني جامعة تراعي مصالح «مكوّنات» العراق السياسية والمذهبية من جهة وتساعد في رد هجمة «داعش» على إقليم كردستان من جهة أخرى.
يبقى التنبيه إلى قاعدة ذهبية تراعيها الولايات المتحدة دائماً في سياستها الشرق اوسطية هي إلتزامها الثابت «أمن إسرائيل» ومصالحها تجاه أعدائها وأصدقائها على السواء.
تصويب واعتذار
نتيجة خطأ تقني غير مقصود يوم السبت الفائت نُشر مقال الدكتور عصام نعمان في هذه الزاوية تحت عنوان آخر، أما العنوان الصحيح فهو: «نحو تثوير سياسي يعزز الاستنزاف العسكري»، ولذا اقتضى التصويب والاعتذار.