إكس خبر- صفة الأمومة تميّز المرأة بحنانها وتواضعها لرعاية وتربية ولدها، وأكثر ما قد يُحزنها هو افتقادها لهذه الصفة، بسبب عدم ارتباطها بشريكٍ يمكنها الإنجاب منه، الأمر الذي يدفع بها للتفكير بحلٍّ ما يجعلها تحظى بطفلٍ لها، تربّيه بنفسها وتصبح أمّاً له. هذا ما تقوم به العديد من النساء في العالم عبر اللجوء إلى بنك الحيوانات المنوية، حيث يتبرع الرجال وتتمكن المرأة من الحمل.
لماذا تلجأ المرأة لهكذا طريقة للإنجاب؟
عدم توافر الشريك هو السبب الأول، فالمرأة التي تخطّت سنّ الزواج ولا تزال عازبة قد تُدخلُ إلى حياتها ولداً عن طريق الإستعانة بهذه الطريقة. لكن ليست العنوسة السبب الوحيد، فبعض النساء يخترن عدم الزواج ويفضّلن تربية طفلٍ من دون الإرتباط، فتلجأن لبنوك الحيوانات المنوية، على الرَّغم من قدرتهن على الزواج وعدم تقدمهن في السّن. أما عدم القدرة على الإنجاب من الزوج، فهو سببٌ آخرٌ يجعل الثنائي معاً مستعيناً بسائل حيوان منوي من رجلٍ آخر، بحيث تتمكن المرأة عندها من الإنجاب وتتمتع وزوجُها بصفة الأهل.
هل تعتقد المرأة في لبنان هذه الطريقة؟
في لبنان، لا يوجد أصلاً بنوك حيوان منوي(Sperm Banks)، ويؤكد أمين سر الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية الدكتور توفيق نبأ لـ”النهار” أن “هذا الأمر لا يحصل في لبنان، بل هو متداولٌ في الخارج”، إذ تحدد المرأة متطلباتها من المواصفات التي تريدها لطفلها، كلون العينين والشعر والبشرة، ليتمّ استعمال الحيوان المنوي المناسب من المتبرّع، ويكون هذا الأخير مجهولاً. لكن محلياً، يوضح نبأ، أن “ما يحصل عدا عن الحمل الطبيعي هو حمل الـIn Vitro” أي التلقيح خارج جسم المرأة، مؤكداً أن من يقوم بذلك هو الثنائي معاً أي الزوج والزوجة. “لكن أن تأتي المرأة وتطلب الحيوان المنوي لتصبح حامل، فيواجه هذا الأمر صعوباتٍ كثيرة في لبنان ترجع للمجتمع اللبناني والأخلاق والثقافة اللبنانية”، لافتاً إلى التعقيدات القانونية أيضاً، من ناحية تسجيل الولد من دون والد.
رأي اللبنانيات
الفكرة، تفاجئ العديد من اللبنانيات، وتؤكّدن أنها غير قانونية وغير معترف بها في الدولة اللبنانية، وعند سؤالهنّ عمّا إذا يرحّبنَ ببنوك الحيوانات المنوية قد يستعنَّ بها في حال أصبحت متوافرة وقانونية، يظهر الخجل كسيّدٍ للموقف، وحتى الذّعر أحياناً، بدليل ارتباط خيارهنّ بالمجتمع اللبناني. تؤكد الشابة ف.ك. أنه “ليس هناك من شيءٍ مخزٍ إذا ما حملت المرأة بهذه الطريقة، ولكن المجتمع هنا لا يتقبّل الفكرة ويعتبرها زانية، على الرَّغم من أن نيتها هي فقط أن تصبح أماً” أما الشابة مايا فتقول إن “هذه الطريقة مستبعَدة بالنسبة لي، ليس فقط بسبب الثقافة اللبنانية، ولكن أيضاَ لأن الأم عندها لا تشعر بالحنان الفعلي تجاه إبنها، لأنه لم يأت من علاقة عاطفية حقيقية بينها وبين رجلٍ في حياتها” مفضّلةً الزواج والإنجاب بطريقة طبيعية.
الناحية القانونية
يؤكد المحامي رشيد الجلخ لـ”النهار” أنه “لا يوجد بعد قانونٌ ينظّم هذه المسألة”، مشيراً إلى أن “التقدم الوحيد في القانون اللبناني هو في ما يتعلق بوهب الأعضاء”، ومقترحاً ضمّ فكرة وهب الحيوان المنوي لهذه الخانة القانونية: “بما أن وهب الأعضاء قانوني في لبنان، لمَ لا يُضمّ وهب السائل المنوي أيضاً؟ فبذلك وهبٌ للحياة”، لكنه يستدرك ويؤكد مدى صعوبة تحقّق الأمر، لافتاً إلى أن “المسألة غير مقبولة من المجتمع اللبناني، وخصوصاً من الأديان”. ويضيف أنها “مسألة مهمة ولكنها حساسة، ولهذا تستعين المرأة اللبنانية “عالسكت” بهذه الطريقة للحمل، وطبعاً خارج لبنان.”
أما عن الإعتراف بالولد قانونياً وتسجيله في لبنان إذا ما استعانت المرأة اللبنانية بهذه الطريقة في دولةٍ خارجية، يلفت الجلخ إلى أن ذلك “يتم عبر اعتراف رجلٍ ما به كولده، مرتبطاً بالمرأة، وعندها يُعطى الولد عائلة الرجل، أما إذا كانت المرأة عزباء ولم ترتبط، فيُعتبَر الولد مجهول الوالد، ويحمل اسمَ عائلتِها”، وفي حال تقوننت المسألة لبنانياً، يرى أنه “من المفترض إعطاؤه عائلة الأب، حتى ولو أنه خارج حياته، فلوالده فضلٌ عليه وعلى وجوده، على الرّغم من أنه مجهول الهوية بما أنه المتبرع بالسائل ليس أكثر.”
التحديات الإجتماعية والتعقيدات النفسية
لا شك في أن من تختار الحمل بنفسها عبر اللجوء إلى شريكٍ بيولوجيٍّ مجهول تواجه تحدياتٍ اجتماعية قد تؤثّر على حالتها النفسية سلباً، “من هنا، علينا تفهّم دوافعها التي أدّت إلى قرارها هذا”، يلفت عضو جمعية علم النفس البريطانية المعالِج النفسي جيريمي ألفورد لـ”النهار”، ويضيف أنه “قد يأتي ذلك نتيجة رغبتها بطفلٍ في حياتها، أو رغبتها بالشعور بالصحة البيولوجية وبخصوبتها، أو حاجتها لإضفاء الحب على عالمها“.
أما بعد مرحلة الولادة، فيحذّر ألفورد من المسؤولية الكبيرة على المرأة العزباء في تربية الطفل، مشيراً إلى أنها “ستكون الأم والأب بالنسبة إليه”، ويؤكد أن “الطفل كلما كَبُر أكثر، سيتساءل عن والده ولماذا ليس لديه أب، وسيسأل والدته مراراً، الأمر الذي يخلق لديها صراعاً نفسياً حول إخباره بالحقيقة أو إخفائها عنه”، مفضّلاً أن تقوم الأم “بإفهام ولدها حقيقة الأمر وبإخباره عن دوافعها”، ويرى بأن “وجود صورة أبوية لدى الطفل يخفف من الضغط النفسي عند المرأة العزباء، ويجعل الطفل غيرَ مفتقدٍ لوالدٍ في حياته، أي إذا شكّل خاله أو جدّه مثالاً له وصورة أبوية مُرشِدة له، فهذا أمرٌ مفضّل“.