إكس خبر- كانوا يلعبون سوية وفجأة باتوا ضحية. ضحية إهمال أم ضحية قدر، ليس لذلك أهمية، فقد غادرت صباح (4 سنوات) وشقيقها سليمان (سنتان) وابنة عمهما روعة (4 سنوات) الحياة إثر حريق أتى على المكان بعد أن تركتهم أم سليمان أمام المدفئة لتشتري أغراضًا من الدكان.
الفاتورة كانت كبيرة يتحملها طلال (ابو سليمان) وأخوه علي، فقد حُرِما من أطفالهما الذين اجتازوا بهم الحدود، علّهم يحمونهم من بركان الحرب الثائر في سوريا. الفقر المدقع هو السبب برأي طلال الذي قال لـ”النهار” “كنت أبحث وأخي الذي يسكن معي عن عمل حين وقع الحادث، سنتان ونصف في لبنان لم نستطع أن نؤمّن عملاً يليق بالإنسان، أحياناً أعمل طوال النهار لأحصل على خمسة آلاف ليرة، لذلك لم أستطع أن أستأجر منزلاً، فقمت ببناء كوخ خشبي مع سقف من الألواح المعدنية، موجود على سطح أحد المباني السكنية في بلدة بحنين شمال لبنان”.
لم يعد لدى طلال وعلي أولاد، لكن أين أم روعة اذا كانت أم سليمان خارج المنزل؟ أجاب: “هي في حمص، غادرت منذ فترة ولم تستطع العودة”. الوالد أراد القيام بواجبه فجلب مدفأة على المازوت ليقي أولاده صقيع الحياة، لكنه لم يكن يعلم أنها ستغدر به وتحرمه من أولاده بعد أن تسرب المازوت وأشعل النيران في المكان.
رفضوا المقاومة
على الأرض كانوا يجلسون، ولم يعوا ماذا يدور حولهم، وأن النار ليست نورًا، فابتسموا للصورة قبل أن تحترق، لم يهرب أيٌّ منهم، علّهم كانوا أذكى من الكبار وعلموا أن الحياة على الأرض متعبة وأن الرحيل باكراً يريح، فقر وجوع وتعتير ومدفئة استكثرت عليهم التدفئة فغضبت وثارت فسلّموها أرواحهم وأجسادهم، لم يقاوموا للبقاء، ولما سيقاومون؟ فلا لعبة جميلة لديهم تستحق خوض معركة مع الحياة للبقاء بجانبها، لا باربي ولا أيباد، لا ملابس أنيقة ولا سرير جميلاً، لا شوكولا ولا عصيرًا فماذا سيقاومون. لقد تعبوا قبل أن يكبروا فاستسلموا.
النار انتشرت بسرعة وقضت على كل شيء، قبل أن يتمكن أحد من إنقاذ أيٍّ منهم، فقد أبوا إلا أن يغادروا سوية لاستكمال حياتهم في مكان آخر، بعيد عن هذا العالم الذي لا يعرف المساواة بين البشر. رفضوا ان يكبروا ويعوا ان الاغنياء يسكنون في منازل من حجر وليس من خشب، التدفئة فيها على الكهرباء وليس المازوت، مدارسهم للتعلّم وليس لإيواء المهجرين، الحذاء يجب أن يكون مماثلاً وليس كلّ فردة بلون، ألبسة الصيف للصيف ولا تُلبس في الشتاء، رفضوا أن يكبروا ويعيشوا واقعًا مريرًا ليس للفقير فيه نصيب من الدلال.
ليست البداية
ليس الأطفال الثلاثة بداية الحكاية، فقبلهم غادر عدد ليس بقليل من اللاجئين السوريين بسبب حريق، وللتذكير احتكاك الاسلاك الكهربائية في عدد من الخيم في منطقة راس العين – جنوب صور، أدى إلى وفاة الطفل حموده الكامل (سنة ونصف). كما توفي محمود العرفان (عام ونصف) عندما كان وحيداً في الخيمة جنوب مدينة صور الساحلية لحظة اندلاع النيران داخلها بسبب مدفئة، وتوفّي السوريان احمد حسون (ثلاث سنوات) وشقيقته منى حسون (اربع سنوات) في منطقة التابلاين في كفررمان بعد احتراق الفراش بسبب شمعة، وغيرهم…
المفوضية تحرّكت
هذه الحادثة تضيء بحسب الناطقة الاعلامية باسم مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان دانا سليمان، على الظروف المأسوية التي يعيشها النازحون السوريونحيث إن أماكن سكنهم غير مزوّدة بالحد الادنى من معايير السلامة، اذ يعيش 55 في المئة منهم في خيم وكاراجات ومستودعات. أما بالنسبة لعائلة سليمان قالت دانا لـ”النهار”: “تم نقلها الى مكان آمن في مركز جماعي، هذه العائلة وضعها صعب جدًّا ومأساتها كبيرة، لن نتركهم وسنبقى بجانبهم حتى يقفوا على أرجلهم”.
رسائل إلكترونية للوقاية
حملات توعية عديدة تقوم بها المفوضية للوقاية من مثل هذه الحوادث بحسب دانا، التي قالت “نعمل على إرسال رسائل إلكترونية لجميع النازحين المسجّلين لدى المفوضية عن كيفية التصرّف، اذا واجهوا مثل هذه الأحداث”.واستطردت “نحن كمفوضية نسعى الى معرفة السبب الكامن وراء الحادث، وسنستمرّ في تقديم مساعدات فصل الشتاء من الوقود الى التدفئة والخيم والسواتر البلاستيكية لعزل الأماكن السكنية، بالاضافة الى مساعدات نقدية لبعض النازحين”.
“وداعاً صباح وسليمان وروعة على أمل اللقاء في العالم الآخر عالم السلام والحب والأمان!”