الكاتب الأردني ياسر الزعاترة – منذ عام مضى، توعد أمين عام حزب الله بانتصار في سوريا، بخاصة في القلمون، لكن المعركة لا تزال متواصلة. وقبل خطابه الجمعة (27/3) بيوم وبعض يوم قتل ثلاثة من عناصره، بينهم قيادي، لكنه لم يذكرهم في خطابه، تماما كما يتجاهل سواهم (لماذا؟!)، ولم يكن الاحتفال إلا لشهداء القنيطرة لأن الصهاينة هم من قتلوهم.
اليوم يتوعد نصر الله بانتصار جديد، وهذه المرة في اليمن، فحيثما تكون إيران تكون الانتصارات باعتقاده، وما دام قاسم سيلماني قد رحل إلى اليمن بحسب بعض الأنباء (أو سيرحل ربما)، فإن الانتصار سيكون من نصيبه، حتى لو كان علينا أن نتجاهل أن معركة تكريت التي وعدوا بحسمها في أيام، فطالت واستطالت رغم الدعم الأميركي وفارق ميزان القوى الرهيب، وكذلك معركة الجنوب السوري، من دون حسم كان قد وعد به نصر الله والنظام منذ عامين وأكثر، بل بتقدم للثوار أيضا.
قلنا مرارا إنه حين تختل البوصلة، سيكون على السياسي أن يمارس الكذب والتضليل، وها هو نصر الله يضطر لأن يظهر كل بضعة أسابيع من أجل لملمة شتات موقفه، ولكي يَعِد جمهوره بانتصار جديد، في ظل أزمة مستحكمة تجتاح المنطقة، وتُشعر الجميع بأن إيران تتورط تباعا في نزيف كبير لا يتوقف.
خطاب الجمعة لنصر الله كان يمنيا بامتيار، وكانت الخلاصة التي توصل إليها تتمثل في مقدمة وخاتمة. أما المقدمة فهي أن: “الوضع الجديد في اليمن، المقصود به هو الثورة الشعبية العارمة التي تتقدمها حركة أنصار الله وبالتعاون والتآزر والتكافل مع الجيش اليمني وكثير من شرائح وقبائل الشعب اليمني على اختلاف اتجاهاته ومذاهبه”. أما الخاتمة فهي أن “هدف الحرب (عاصفة الحزم طبعا) هو استعادة السيطرة والهيمنة على اليمن، نقطة على أول السطر، والذي لديه كلام آخر يتفضل للنقاش” (انتهى كلامه).
هنا نسأل (السيد): ماذا كان هدف الحوثيين بسيطرتهم على البلاد بقوة السلاح، وهم وكلاء الولي الفقيه الذين يعلم نصر الله أن معسكرات كانت تعمل لحسابهم في إيران منذ سنوات بعيدة؟ هل كان هدفهم هو تنمية الأعمال الخيرية، وتوسيع أطر الحرية والديمقراطية في اليمن؟ ومن هي شرائح المجتمع اليمني التي تصطف معه غير أنصار المخلوع الذي ثار الشعب ضده؟
والله لو جيء بأبلغ أهل الأرض، لما كان بوسعه الدفاع عن سيطرة أقلية بقوة السلاح على بلد بأكمله، بمساعدة مخلوع طرده الشعب في ثورة رائعة شهد لها العالم أجمع، لكن نصر الله يحاول التدليس، وفي خطابه يتجاوز هذه الحقيقة، ويتعامل مع سيطرة الحوثيين بصفتها أمرا واقعا لا مجال للنقاش فيه، وكل ما يمكن الحديث عنه هو كيف ينبغي التعامل معها؟ والوصفة هي الحوار وليست قوة السلاح. والحوار هنا تحت سطوة السلاح، تماما كما هو الحال في لبنان.
الحوثيون انقلبوا على ثورة شعب، بالتعاون مع طاغية بقوة السلاح، ولم يجد ذلك استنكارا من قبل نصر الله، بينما ثار الشعب السوري على دكتاتور فاسد، فجاء (السيد) لكي ينصره بقوة السلاح، فهل بعد هذا التناقض من تناقض؟
في خطابه سعى نصر الله إلى تسفيه الأنظمة العربية المشاركة في التحالف ضد الحوثيين، والتذكير بقضية فلسطين والمتاجرة بها، وهي لعبة مكشوفة، ذلك أن أحدا لم يقل إن هذه الأنظمة قد حررت فلسطين، بل إن ربيع العرب كان أملا بتغيير منظومتها قبل أن تجهضه إيران في المحطة السورية.
ولكن هل يعني عدم التحرك حيال فلسطين -وهو المدان والمرفوض من جماهير الأمة، رغم أنه الأكثر تعقيدا في ظل ميزان القوى الدولي المعروف- أن على غالبية الأمة السكوت على التهام إيران لأربعة عواصم عربية مع شهية لا تخفى للمزيد؟
والخلاصة هي أنه إذا كانت أنظمة العرب قد وقفت ضد ثورات الشعوب كما قال وعدد، فإن “وليه الفقيه” قد أجهض الربيع في سوريا، وأجهضه في اليمن بالانقلاب على ثورة الشعب، وهما لا يستويان في أقل تقدير، ولذلك كان رفض غالبية الأمة لاحتلال إيران أكبر من رفضها للأنظمة القائمة.
كثيرة هي الملامح التي تستحق التوقف في خطاب نصر الله، ومن بينها اتهامه المخابرات السعودية بإرسال الانتحاريين إلى العراق، وهو كلام لا يصدقه أي أحد. ونذكّره هنا بأن حبيبه نوري المالكي قد اتهم بشار الأسد بإرسال الانتحاريين والسيارات المفخخة إلى العراق، وهدده بإرساله للمحكمة الجنائية الدولية.
ولم يتورع نصر الله عن القول علنا وبالنص: “أنا أؤمن بأن سماحة الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي إمام المسلمين وولي أمر المسلمين، إنه إمام المسلمين وولي أمر المسلمين”. ألا يعني ذلك أن من حق ولي أمر المسلمين أن يفعل بهم ما يشاء، ويقرر لشعوبهم وأوطانهم ما يراه مناسبا؟
هل بعد هذا يُراد لأحد أن يقتنع أن عبد الملك الحوثي يختلف عنه (عن نصر الله) في شيء، أو المالكي مثلا، فضلا عن بشار الأسد الذي وضع البلد برمته تحت إمرة قاسم سليماني؟
ولم يتورع نصر الله عن توجيه كلامه للسعوديين قائلا بنبرة طائفية واضحة: “ألم تعملوا وتنفقوا أموالا طائلة لتحويل قبائل من مذهب إلى مذهب؟”. ونسي أن إيران هي من حوَّلت الحوثيين من زيدية -وهم أقرب إلى السنّة- إلى شيعة اثني عشرية. هل حصل ذلك بالإقناع، أم بضخ الأموال والأسلحة وبالتحريض؟ هذا مع إقرارنا بأن بعض الخطاب السلفي في اليمن قد ساهم في دفع هؤلاء نحو التطرف في الخطاب، قبل التطرف في السلوك.
إن محاولة تزييف الحقائق في اليمن وسوريا والعراق، وحتى لبنان لن تمر على عقول غالبية الأمة، وهذا الإجماع الشعبي في أوساطها ضد إيران لم يأت عبثا، ولا هو نتاج التضليل، وإلا فلماذا لم يفلح التضليل في دفع غالبية الأمة لتأييد تلك الأنظمة حين كانت تقف ضد ربيع العرب؟
بقي الوعد الجديد بالانتصار، والذي سيتبخر مثل نظيره في سوريا، بصرف النظر عن نتيجة “عاصفة الحزم”، فالشعب اليمني لن يوقف ثورته ضد احتلال إيران (هو كذلك ولو لم يأت جنودها إلى اليمن)، وسيواصل استنزاف أتباعها حتى تعود إلى رشدها، ويبدو أنها لن تعود قبل أن يصل الاستنزاف مداه النهائي، حتى لو طال في ظل تفاهمها مع أميركا على النووي وبعض ملفات المنطقة, ونذكّر نصر الله بأن من أفشلوا الغزو الأميركي للعراق، سيُفشلوا من دون شك الغزو الإيراني للمنطقة. والأيام بيننا.
فاصل أخير: في نهاية كلمته قال نصر الله: “على طول التاريخ الغزاة يُهزمون، والغزاة تلحق بهم المذلة”، ما يجعل من الضروري تذكيره بأنه ومليشيات سليماني في سوريا غزاة أيضا، بينما جاءت “عاصفة الحزم” بطلب من رئيس انتخبه الشعب، فيما سيتكفل اليمنيون أنفسهم بضرب وكلاء لمحتل خارجي يجلس في طهران.