بقاء وزيريّ “حزب الله” في جلسة الحكومة الاخيرة التي انعقدت بإصرار من الرئيس سلام ومؤازرة الرئيس بري كان “رداً صاعقاً”، على حد تعبير أحد الوزراء، على خطة العماد عون لشل عمل الحكومة. ولم يكن الحزب في حاجة الى تجرّع هذا الاحراج مع حليفه لو لم تكن أسباب بقائه في الحكومة أقوى.
لا يزال كثيرون ممن عاشوا تجربة العماد عون أيام كان رئيسا للحكومة العسكرية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي يتذكرون كيف أخرجت طائرات الرئيس حافظ الاسد عون من قصر بعبدا على رغم ان قنوات الاتصال الودية كانت قائمة بينهما والسبب كما يسجل التاريخ يعود الى أن “عاصفة الصحراء” الاميركية التي كان الاسد في عدادها أخرجت الرئيس العراقي صدام حسين من الكويت وأدخلت الاسد الى لبنان ونفت عون الى فرنسا.
اليوم هناك من يقارن بين العاصفة الاميركية عام 1990 وبين العاصفة التركية التي هبت الاربعاء الماضي في وجه “داعش” والاكراد معا. ويقول موقع “العهد” الالكتروني التابع لـ”حزب الله” ان “مصادر غربية واسعة الاطلاع قالت في حديث لموقع العهد ان الرجل الثاني في جهاز المخابرات التركية زار العاصمة دمشق قبل يومين من معركة جرابلس…” ويخلص الموقع الى القول: “تبدو تركيا في تدخلها ضد الاكراد في غرب الفرات كمن يتوزع الادوار مع دمشق وطهران اللتيّن تعارضان بقوة قيام أي كيان كردي مستقل في سوريا”.
طبعا هناك فارق بين هذين التاريخين: الاول، عرفنا خاتمته.أما الثاني، فلا يزال قيد الكتابة. لكن ذلك لا يمنع من القول ان عون بالنسبة الى “حزب الله” ليس سوى ورقة داخلية مضبوطة بحسابات إيرانية. وإذا كانت تطورات سوريا وصلت الى مرحلة قبول أنقرة ببقاء بشار الاسد في فترة إنتقالية فإن ذلك يعني بقاء الفراغ الرئاسي في لبنان الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية.وبحسب ما كتبه جوناثان ماركوس في البي بي سي فإن “الفوضى في سوريا باقية للادارة الاميركية القادمة”.
من اليمن الى لبنان مرورا بالعراق وسوريا، الثابت ان المنطقة ستشهد إختفاء “داعش” وولادة تفاهمات موقتة قبل رسم معالم هذه الكيانات لأجيال مقبلة. ضمن هذه التفاهمات على ما يبدو ستنحسر الاندفاعة الكردية الى الاستقلال. كما ستتراجع الاندفاعة الايرانية في اليمن الى إطالة أمد الحرب هناك. وفي إنتظار تبلور الحل السياسي الذي يوقف الحرب في سوريا يبقى لبنان معلّقا على حبل هذا الحل مع إستمرار الاستقرار الهش أمنيا وحكوميا وإقتصاديا.
في خطابه الاخير قال نصرالله: “… يحترق قلبي على المسلحين في سوريا لإنهم مضللون… وأنا أحزن عليهم. أميركا التي صنعت داعش هي من تقتلهم اليوم”. كم تبدو هذه العبارات ملائمة لكي يقولها نصرالله في صورة معدّلة لحليفه عون. فالصراحة تقتضي أن يقول الاول للثاني: “أنا أحزن عليك. إن إيران التي أرادتك مرشحا رئاسيا هي من تتخلى عنك”. ما حصل في الحكومة أول الحكاية.
احمد عياش