عندايب دندش – لم تسمح نرمين لانتمائها الديني الإسلامي أن يقتل قصة حبها التي نسجتها مع زميل عمل لها، ينتمي للطائفة المسيحية ويُدعى كميل. انتماء قررت نرمين التخلي عنه في سبيل إكمال حياتها مع شريك ساقه القدر لها عندما كانت تعمل كموظفة في أحد المطاعم. وهنا بدأت الحكاية التي تخللها الكثير من الحب والدموع والخوف واليأس والقرارات المتناقضة، ولكن في النهاية انتصر الحب أمام الدين.
واستطاعت إجبار والدها على الموافقة بحجة أن كميل وافق على اعتناق الإسلام، فتم إتمام معاملات الزواج على عجل من أمر الثنائي، الذي تحلل من كل هذه الالتزامات بعد الزواج، وصارت نرمين أمّ لطفل مسيحي، تم تعميده في الكنيسة، وصارت الأعياد الرسمية بالنسبة لها، هي الأعياد التي يحتفل بها زوجها وعائلته مثل عيد الميلاد، وعيد القيامة، وغيرها، ولم تعُد الأعياد الإسلامية تعني لها شيئا سوى القيام بواجب تهنئة أهلها.
قصتها لم تقف عند هذه الحدود، بل تواجه تفاصيلاً دقيقة في حياتها اليومية تُجبرها على التعامل معها بكثير من الحكمة والتّفهم لاحتواء بعض المواقف المحرجة لها.
وعن تجربتها تقول نرمين :” ليس من السهل ابداً التعامل مع بعض المواقف المحرجة مع الأهل ، وقد تعرضت للكثير منها ، فأنا أحتفل سنويا في منزلي بعيد الميلاد، وأقوم لهذه الغاية بتزيين الشجرة وصنع المغارة، ولكن حصل في إحدى المرات أن قرر والدي زيارتي في فترة الاحتفالات بأعياد نهاية العام، الأمر الذي شكّل لي صدمة، فسارعت إلى إزالة الشجرة من مكانها، ولملمت كل زينة توحي بالمناسبة، وأخفيت زجاجات الخمر وذلك إحتراماً لوالدي الملتزم دينيا، والذي يعتقد أن عائلة ابنته الصغيرة تتبع الديانة الإسلامية !”.
وتتابع قائلة:” وعند ولادة إبني قام والدي ايضاً لهذه الغاية بزيارتي لقراءة الآذان في أذنه ،ظنا منه أن الطفل مسلم ! إذ نجحت حتى اليوم في إخفاء الحقيقة عنه. وعندما أزور منزل أهلي يحاول والدي جاهدا اصطحاب الابن إلى المسجد لآداء وتعلم الصلاة ، وفي كل مرة تضطر الجدة لاختلاق الأعذار لتمنع ذهابه منعاً لأي مشاكل قد تحصل.”
أما جدة نرمين الفخورة بزوج حفيدتها الذي اعتنق الديانة الإسلامية فأهدته في إحدى المرات في إحدى المناسبات مجموعة من الكتب الدينية الاسلامية ،الأمر الذي دفعه إلى مقاطعة الزيارات العائلية وحصرها بالمناسبات الرسمية فقط.
قصة نرمين وكميل واحدة من قصص أكثر من 20 ألف لبناني جمعهما الزواج المختلط دينياً بين المسيحيين والمسلمين، إذ أظهرت الأرقام التي صدرت في عام 2013 عن آخر إحصائية لـ “الدولية للمعلومات”، أن لبنان شهد 173.883 عقد زواج مختلط بينها 10.797 عقدًا بين مسيحيين ومسلمين، و118.250 عقدًا بين مسيحيين من مذاهب مختلفة و32.231 عقدًا بين مسلمين من مذاهب مختلفة، مع الإشارة إلى أن الرقم الاخير قد لا يبدو دقيقا مع إعلان الرئيس نبيه بري في أحد خطاباته أن عدد حالات الزواج بين السنة والشيعة بلغت قرابة 362 الف حالة، الأمر الذي لم تستطع المحكمة الشرعية في بيروت تأكيده،إنما قالت على لسان قاضي المحكمة الشرعية في بيروت أحمد درويش الكردي في عام 2013 أن الرقم قد يكون أكبر أو أقل.
وبعملية حسابية بسيطة يظهر بحسب أرقام “الاحصائية الدولية” أن النسبة المئوية لعقود الزواج المختلط بين المسلمين والمسيحيين لا يتجاوز الـ6% وهو رقم ضئيل جداً، بينما عقود الزواج المختلط بين المذاهب المسيحية تشكل 68%، مقابل18% من عقود الزواج بين المذاهب الإسلامية.
من الشريك الأقوى في العلاقة؟
وبما أن للحب قدسيته،وللدين أيضا قدسيته، يضطر أحد الشركاء غالباً للتخلي عن انتمائه وعن طقوسه الدينية لصالح الطرف الثاني الذي “يورّث” انتماءه الديني لأولاده. ويصب هذا الانتصار في أغلب الأحيان لصالح الرجل لأي طائفة انتمى، كون المجتمع اللبناني مجتمع ذكوري بامتياز، فتتنازل المرأة عن دينها لصالح الحب، بينما يتمسك الرجل بالدين والمرأة فيفوز بالاثنين معاً.
وينطبق هذا الوضع على النجوم في لبنان أيضا، لعلّ أشهر هذه الحالات إعلان الفنان عاصي الحلاني في إحدى المقابلات العام الماضي، أن حبه لزوجته كوليت بولس (مسيحية) استطاع أن ينتصر وتوُّج بالزواج المختلط دينيا فأثبت نجاحه لكنه اعترف أن أولاده يعتنقون الديانة الإسلامية مثله مؤكدا في الوقت نفسه أنه يحترم قدسية كل الأديان.
كذلك الأمر بالنسبة لملكة جمال أميركا لعام 2010 ريما فقيه (المسلمة) الذي فرض عليها زواجها من المنتج والموسيقي العالمي وسيم صليبي التخلي عن ديانتها الاسلامية واعتناق المسيحية حيث تم تعميدها، وجرت مراسم الزفاف في الصرح البطريركي الماروني في بكركي.
ويرى أستاذ علم الإجتماع مازن جمعة في حديث خاص لـ”إي نيوز”أنه في المبدأ لا يجب أن يفرض أحد رأيه الديني على الآخر، كون الدين هو علاقة الانسان مع الله ولا يحق لأحد التدخل بها، ولكن في الحالات التي يتم فيها هذا الفرض فإنها تُعتبر نوع من الاضطهاد والظلم الاجتماعي، موضحا من وجهة نظره أنه لا يوجد شريك أقوى من الآخر في الزواج المختلط دينيا.
لماذا يرفض المجتمع اللبناني الزواج المختلط دينياً؟
رغم الانفتاح الذي يعيشه الشعب اللبناني إلا أنه لا يمكننا إنكار وجود حالة تديّن لدى معظم الطوائف وهذا يبدو جليّاً في الاحتفالات الدينية التي تستقطب إليها مئات الآلاف. هذا التديّن يعتبره الدكتور مازن جمعة في حديثه لـ”إي نيوز” “أحد أهم العوائق التي تمنع تقبّل المجتمع اللبناني للزواج المختلط دينيا كونه يثير الحساسيات ويمُس المقدسات بالنسبة لهم، خصوصا مع موجة التعصب الطائفي التي تعصف بلبنان، ويمكن لمثل هذه الزيجات أن تسبب مشاكل لاحقة تؤدي الى الطلاق إلى جانب عوامل أخرى تتواجد في أي علاقة زوجية أخرى”.
تجدر الإشارة إلى أن الطائفة الإسلامية تُبيح للرجل الزواج من إمرأة مسيحية، ولكنه يُحرّم على المرأة المسلمة الزواج من رجل مسيحي.
هل الطلاق مصير حتمي للزيجات المختلطة دينيا؟
يعتقد كُثُر أن الزواج المختلط دينياً سيكون مصيره الحتمي الطلاق كونه عبارة عن علاقة بين شخصين ينتميان لبيئات مختلفة ولأنماط حياة غير متشابهة. ولكن الدكتور جمعةينفي ذلك خصوصا أن الأرقام الرسمية في لبنان تؤكد ارتفاع نسبة الطلاق داخل الزيجات من المذهب نفسه فيما تؤكد بعض الزيجات المختلطة دينيا استمراريتها وقدرتها على الصمود في وجه كل المشاكل.
فقصة “تيريز” التي تزوجت منذ 40 عاما تقريبا من رجل مسلم وذهبت معه “خطيفة” أي من دون موافقة أهلها، تؤكد اليوم أن الطلاق ليس نتيجة حتمية للزواج المختلط دينياً. فالمرأة التي قاطعها أهلها لسنوات بسبب هذه الزيجة، أنجبت 7 أولاد يفخرون اليوم بانتمائهم الإسلامي رغم احترامهم لديانة والدتهم. أما المشاكل التي تواجهها مع زوجها فهي تتشابه مع مشاكل أغلب العلاقات الزوجية بعيداً عن أي سبب ديني، خصوصا أنها اندمجت بشكل كبير مع العادات والتقاليد الإسلامية، حتى أنها تحاول أحيانا تطبيق بعض الشعائر مثل صيام رمضان.
سنوات مرت على تيريز قبل أن تعود المياه إلى مجاريها مع أهلها الذين ما زالوا ينظرون إلى أولادها على أنهم غرباء من دين آخر، مُقرّين أن تيريز تبقى ابنتهم التي ينسجون معها علاقات ودية طيبة ومحدودة. بالنسبة لها الأمر لا يهم بعد أن صارت حياتها تدور حول فلك أولادها وأحفادها وليس أهلها.
في النهاية يستمر الصراع في لبنان بين الحب والدين فينتصر الحب أحيانا ولكن انتصارات الدين أكبر، وينهزم الحب كثيراً ولكن يبقى انهزام الدين أكثر دويّاً.