إكس خبر- لا يوفر فريق رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان جهداً في استغلال قضية غزة إلى أبعد الحدود في الحملة التي يخوضها للفوز بانتخابات الرئاسة المقررة نهاية الأسبوع المقبل.
لا شك في أن فوز أردوغان بات شبه مضمون، نظراً إلى تمرسه في تولي المناصب، وقلة خبرة منافسه الرئيسي أكمل الدين إحسان أوغلو في هذا المجال. كما أن أردوغان خاض حملته الرئاسية على جبهات عدة، ونجح في تهميش خصومه داخل التيار الإسلامي نفسه وإقصائهم، واستبعاد المؤسسة العسكرية من مواقع النفوذ والقرار في البلاد.
من هنا، يبدو سعي رئيس الوزراء التركي إلى استغلال كارثة غزة، محاولة لتغطية فشله في الملف السوري (وربما العراقي)، بتوجيه انتباه الرأي العام التركي إلى موقف حكومته المناهض للحملة الإسرائيلية على غزة، ليس فقط لحشد مزيد من التأييد في صفوف القاعدة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بل أيضاً لكسب أصوات خارجها وإحراج خصومه العلمانيين وحشرهم في موقف دفاعي ضعيف.
مهم لأردوغان أن يتولى منصب الرئيس، لكن الأهم بالنسبة إليه، هو أن يفوز بأكبر عدد ممكن من الأصوات، ليتمكن من تحقيق طموحاته في تعزيز صلاحيات موقع الرئاسة، وتحويل تركيا إلى نظام برلماني– رئاسي مختلط، فهو لا يريد أن يكون رئيساً صورياً ولا رمزياً، بل ممسكاً بكل القدرات التي كانت متوافرة لديه كرئيس للوزراء.
لكن، إضافة إلى سعي أردوغان هذا، فإن ثمة طموحاً آخر لديه، وهو استعادة تركيا موقعها التاريخي في المنطقة عبر فرض نفسها شريكاً أساسياً في مستقبل النفوذ والتسويات الإقليمية، والذي يتصور أنه سيقتصر على مثلث قوى أساسية في المنطقة يضم إيران وإسرائيل… ويستبعد العرب على أساس انشغالهم بأزماتهم المتعاقبة.
يريد أردوغان أن تكون تركيا هي الضلع الثالث (أو الزاوية الثالثة) لهذا المثلث، وأن تكون شريكاً في القرار في ما يتعلق بقضايا المنطقة، وفي مقدمها القضية المركزية الفلسطينية. وهذا ينسحب أيضاً على إيران التي استثمرت مقداراً كبيراً من أرصدتها لتضع نفسها طرفاً أساسياً في هذا الصراع الذي سيحسم الخريطة السياسية في المنطقة لسنوات طويلة.
إن الرسم الافتراضي لتوزع كهذا في موازين القوى، ينطلق من تصورات عدة، أولها «بدهي» يتمثل في بقاء إسرائيل طرفاً أساسياً في المعادلة من خلال الدعم الأميركي والغربي لها، وفرض إيران نفسها من خلال محور الممانعة ودعمها لـ «قوى المقاومة» التي يصنفها خصومها بأنها «أوراق» أو «بيادق» إقليمية، كما يفترض هذا السيناريو نجاح تركيا في استثمار رهانها على رعايتها تيار الإسلام السياسي الذي يشكل امتداداً لـ «حماس»، وفي الوقت ذاته الحفاظ على موقعها شريكاً أساسياً للغرب في إطار عضويتها في الحلف الأطلسي.
لا شك في أن لتركيا موقعاً مهماً في المعادلة، كما أن طموحات النظام الحاكم فيها تبدو لامتناهية، في استعادة «أمجاد العثمانيين». وإذا كان حق الدول في التطلع إلى تعزيز مواقع نفوذها، أمراً مفهوماً ولا جدل فيه، فإن التساؤل الأساسي يتمحور حول مدى قدرة أنقرة أو استعدادها، للانخراط في واقع عربي قد لا يدرك تعقيداته سوى أهل البيت أنفسهم، وهنا لا ينفع البكاء على أطلال غزة ولا تنسحب مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد».