سلوى ابو شقرا – يصنَّف مرض فرط ضغط الدم الرئوي وخيمًا إذ يصيب الرئتين والقلب مهدِّداً حياة المُصاب به ومؤدياً إلى ارتفاع الضعط في الشريان الوريدي عن المعدل الطبيعي، مما قد يسبِّب قصورًا في القلب ويؤدي إلى الوفاة.
إلاَّ أنَّ أملًا جديدًا بات متوافراً للمرضى في لبنان عبر نظام علاجي جديد استحدث وهو مفيد على وجه الخصوص لأولئك المرضى الذين لا يستعيدون عافيتهم أو يعاودهم المرض بعد العملية الجراحية.
أنواع المرض وأعراضه
يعتبر ارتفاع ضغط الدم الرئوي الانْصِمامِيَّ الخُثارِيَّ المزمن (CTEPH) من الأمراض النادرة إذ يُقدَّر عدد الحالات المصابة به بنحو 8 إلى40 شخص في المليون على الصعيد العالمي. وطبيعة هذا المرض صامتة وأعراضه ضئيلة، كما أنه يتمُّ تشخيصه في مراحل متقدمة بعد انقضاء ما يصل العامين من وجوده. من أبرز أعراض هذا المرض والأكثر شيوعًا: ضيق في التنفس، والتعب، والإغماء التي تتفاقم جميعها مع بذل الجهد.
وهذا المرض يمكن أن يكون واحداً من خمسة أنواع مختلفة منها ارتفاع ضغط الدم الرئوي الانْصِمامِيَّ الخُثارِيَّ المزمن (CTEPH) وارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي ( (PAH. لذلك يُضحي الكشف المبكر والتحديد الدقيق لأنواعه ضروريًا، وخصوصاً أنَّ التأخُّر في بدء العلاج، ولو لبضعة أشهر فقط، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المريض لأنَّ المرض يتطوَّر بعد حلقات سابقة من الانسداد الرئوي.
ولكن السبب الكامن وراء هذا المرض لا يزال مجهولًا حتى الآن، إلاَّ أن العلاج الوحيد المحتمل يكمن في استئصال الخثرة وبطانة الشريان الرئوي عبر عملية جراحية يتمُّ من خلالها إزالة ونزع خثرة دموية جراحياً من البطانة الشريانية للشريان الرئوي. ومع ذلك، فإنّ عددًا كبيرًا من المرضى الذين يعانون هذا المرض لا يمكن معالجتهم من خلال العمليات الجراحية، وقد يبقى المرض أو يعاودهم بعد عملية استئصال الخثرة وبطانة الشريان الرئوي. وبالتالي، هم بحاجة إلى أنظمة علاجية دوائية للتعامل مع هذا الداء.
أما ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي (PAH) فهو مرض تقدمي ينجم عن زيادة ضغط الدم في الشرايين الرئوية بشكلٍ ملحوظ عندما تبدأ الأوعية الدموية الدقيقة داخل الرئتين بالانقباض والضيق الذي غالباً ما يترافق مع قصور القلب الأيمن أو يؤدي إلى الوفاة.
وينتج من ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي تغيُّرات مورفولوجية في شرايين الرئتين، مما يؤدي إلى ضيق الأوعية الدموية في الرئتين، ويجعل من الصعب على القلب ضخ الدم إليهما. ويصيب هذا المرض ما يقدر بـ 15 إلى 52 شخصًا من أصل مليون شخص على الصعيد العالمي، وهو أكثر انتشارًا بين النساء منه بين الرجال. وفي معظم الحالات، هو مجهول الأسباب، إلا أنَّ العامل الوراثي قد يضطلع في بعض الأحيان بدور في ذلك.
هل من علاج؟
أظهرت نتائج التجارب السريرية الرئيسية أن علاج “ريوسيغوات” الذي وضعته شركة “باير” وبدأت الولايات المتحدة وأوروبا في استخدامه منذ ثلاث سنوات، هو الدواء الأول والوحيد الذي برهن عن تحسُّنٍ كبير لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم الرئوي الناتج من الانصمام الخثاري المزمن، بحسب الإحصائيات القائمة، والذين لا يمكن معالجتهم من خلال التدخل الجراحي، أو ذاك الذي يستمر في الوجود أو يعود للظهور بعد إجراء العملية الجراحية.
يتمُّ وصف “ريوسيغوات” لعلاج المرضى الذين يعانون مرض ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي حيث لا يزال تحديد مسار ومآل المرض مجهولًا بعض الشيء، على الرغم من توافر مجموعة من العلاجات المعتمدة. وأظهر العلاج تحسنًا كبيرًا ومستمرًا لدى المريض إذ نجح في مضاعفة مستوى النشاط البدني، وأسهم في تأخير تطوُّر المرض، وتحسين وظائف القلب والرئة، والحدِّ من الأعراض المرتبطة به مثل الضيق في التنفس. تعد “باير” إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجالات الرعاية الصحية.
التقت “النهار” مدير عام شركة “باير” في بلاد الشام السيد مالك عجة من مؤتمر تعقده الشركة في بيروت لإطلاق الدواء. فأوضح أنَّ “هذا المؤتمر يمثل تحولاً خصوصاً لدى المرضى الذين يعانون مرض ارتفاع الضغط الشرياني الرئوي، الذي يعتبر من الحالات المرضية المزمنة والنادرة. إذ يشكو المريض ويضطر بشكل دوري التوجه إلى المستشفى للحصول على العلاج.
لذلك، نحن بصدد إطلاق دواء جديد هو الوحيد الذي يُعطى من طريق الفم التي تعتبر أفضل من الحقن. بشكل عام هذا المرض يمثل صعوبة لكل الشركات، لكنَّ “باير” حرصت دوماً على التخصص بالأمراض المزمنة والنادرة، والتقديم للمرض خط علاج جديد.
وفي الوقت نفسه، يشكل ثورة علمية جديدة إذ هو الأول في العالم الذي يُعطى للمرضى الذين يعانون ارتفاع ضغط الشرياني الرئوي الخثاري المزمن. تعاملنا سيكون على مستوى المجتمع اللبناني والقطاع الصحي من طريق وزارة الصحة اللبنانية عبر شراكة، ومؤسسات طبية كبرى، وسنحرص على توافر العلاج والتوفير للأطباء كل المعلومات العلمية عن هذا المرض”.
شريان الرئة والتجلطات
“هذا المرض خبيث” وفق ما يوضحه الدكتور جورج دبر، رئيس قسم الطب الرئوي والعناية المركزة في مستشفى “أُوتيل ديو دو فرانس” لـ”النهار”، ويضيف: “أسباب ضيق النفس عدة، وهو عارض وحيد يعطيه هذا المرض. ما يعني أنَّ ضيق التنفس مؤشر إلى ضيق في شريان الرئة الذي إن لم يتم الانتباه إليه أو يعالج قد يؤدي إلى ضعف في القلب حيث يصعب العلاج. المسألة الثانية في حالة ضغط في شريان الرئة قد تنجم عنه تجلطات تصيب الرئة، تطال الكبار في السن وعلاجها يكمن في عملية لإزالة الجلطات. ولكنَّ بعض الأجسام لا تتحمل العمليات، بالتالي يعتبر هذا الدواء الوحيد المفيد في هذه الحال”.
يصيب النساء أكثر من الرجال
يشرح الدكتور مجيد إدريس من مستشفى الملك فيصل التخصصي لـ”النهار” أنَّ “النسبة العالمية للمصابين بهذا المرض تبلغ نحو 50 في المليون ولكنْ المهم يكمن في تشخيص المرض في مراحله الأولية. المحفز الأول للانتباه إلى هذا المرض عام 2007 بعد وصول فتاة في سن الـ 16 إلى المستشفى لدينا في السعودية وحولت إلى قسمنا من قلب قسم القلب، لم يكن من حل لعلاجها وقيل للأهل أن الفتاة ستتوفى بعد عامين، وهنا تساءلنا ألا يمكننا فعل شيء للمريضة؟
فقررنا تكوين جمعية من 5 أشخاص في نهاية 2008 ووصل عدد المنتسبين إليها إلى نحو 150 شخصاً. تضمُّ اختصاصيين في أمراض الصدر والقلب. المشكلة الأولى تكمن في التوصل إلى فريق متكامل، والثانية في التمويل إذ إنَّ تشخيص المرض وعلاجه مكلفان جداً، ولا قدرة للأشخاص العاديين على دفع هذه المبالغ الضخمة”.
ما هو المؤشر الأساسي لزيارة الطبيب؟ وهل من فئة معينة تصاب به؟ “المؤشر الخطير هو إغماء المريض بشكل متكرر ما يعني تقدُّم المرض، تزامناً مع شعور بضيق في التنفس غير عادي. وهذا المرض له علاقة في عمل الهرمونات ويصيب النساء أكثر من الرجال، كما تؤدي العوامل الوراثية دوراً أيضاً.
نحن بدأنا في الخليج الاهتمام بهذا الملف، آملين أن تشاركنا الدول الأخرى فيه وخصوصاً أنَّ الاهتمام في هذا الموضوع غائب والأطباء لا يولون أهمية له. لذا، نحن سعيدون في الانطلاق من لبنان، كما بدأنا التنسيق مع مصر والجزائر. الأساسي بالنسبة إلينا يكمن في نشر الوعي والوقاية”.