إكس خبر- السؤال: ماذا لو كانت جريمة مسجد قرية «إمام ويس» في أحد مساجد الشيعة في البصرة أو غيرها من المدن الشيعية؟ ماذا لو كان المستهدفون هم الشيعة وليس السنّة؟
هناك ثلاثة جوانب لهذه الفرضية.
الأول: على مستوى القاعدة الشعبية العراقية المسالمة، سيوجه الجميع الاتهام إلى المجاميع الإرهابية «الداعشية»، وبالتالي ستحصل حكومة حيدر العبادي الجديدة أوتوماتيكياً على دعم الأمة للتخلص من إرهاب «الخلافة».
الشيعة سيقفون إلى جانب الحكومة الجديدة، لأنهم سيعتبرونها ممثلة لهم في محاربة الإرهاب الموجه ضدهم في الأساس، أما السنّة فسيتمسكون بها أكثر للتعبير عن نواياهم الحسنة، وإثبات أن من قاموا بهذا العمل لا يمثلون المكون السُنّي العراقي.
الثاني: ستضع إيران ثقلها من جديد في كفة حكومة الغالبية الشيعية من منطلق طائفي للقضاء على الإرهاب التكفيري السُنّي كما تسميه، فيما ستكتفي بقية القوى الإقليمية في المنطقة باستنكار الحادثة والبعث برسائل التأييد إلى الرئيس فؤاد معصوم ورئيس وزرائه.
الثالث: سيظل الوضع بالنسبة إلى الميليشيات المسلحة الشيعية على ما هو عليه، إذ ستعدها الحكومة الجديدة ذراعاً قوية لها لمحاربة الدواعش والخارجين على القانون، إلى حين عودة الأمن، قبل دمجها من جديد في الحياة العراقية الجديدة، كما حدث ويحدث في كثير من بلاد العالم.
إذاً، من يريد أن يبقي حال التوتر قائمة ويدخل العراق في المجهول، لن يستفيد من تفجير مسجد أو حسينية شيعية وقتل من فيهما من المصلين، لأن ذلك سيتسق مع الوضع الحالي الذي تواجه فيه الحكومة ذات الغالبية الشيعية إرهاباً «داعشياً» محسوباً على أهل السُنّة.
تفجير مسجد شيعي أو قتل من فيه، سيبقي الوضع القائم كما هو، حكومة وطنية في مواجهة قوى إرهابية. وستظل حكومة العبادي هي الخيار الأول الأسلم للقوى كافة، الوطنية الداخلية والخارجية.
الحل إذاً هو استخدام الوضع المقلوب، واختيار الطرف الأضعف سياسياً، ومواجهته بسهام الموت والخديعة.
هذه النظرية لها ثلاثة جوانب أخرى.
الأول: على مستوى القاعدة الشعبية المسالمة، سيلتزم بعض الشيعة الصمت، فيما سيعبر بعضهم عن إدانة هذا العمل الإجرامي الصارخ بصوت خجول لا يكاد يسمع. وسينتفض السُنّة ويدعون إلى الإطاحة بـ «الحكومة العميلة للنظام الصفوي في طهران»، وسيضغطون على رموزهم السياسية للانسحاب من التشكيل الحكومي المقبل، وبالتالي ستنهار حكومة الوفاق الوطني المؤملة، وتحل بدلاً منها حكومة طائفية شبيهة بحكومة نوري المالكي.
الثاني: متعلق بإيران والدول الأخرى الجارة للعراق، فإيران -كما هي العادة- لا تهتم كثيراً بمقتل العراقيين السُنّة، وتعد ذلك إفرازاً طبيعياً للوضع غير الصحي الموجود في المنطقة، وبالتالي فإن تأثيرها في هذه المسألة يقترب من الحياد الذي ليس له تأثير إيجابي ولا سلبي على الحكومة العراقية الجديدة. أما دول المنطقة الأخرى، وتحديداً السعودية وتركيا، فستستخدمان مزيداً من الضغط على العبادي في شكل مباشر أو غير مباشر، ما سيجعله يهرب إلى أقرب حليف في ما بعد الشرق العربي، وهذا ما سيساهم في إفشال مشروعه الوحدوي القائم على استنهاض الأمة العراقية من الداخل، وعدم الركون إلى قوى خارجية يهمها إظهار طرف داخلي على حساب طرف آخر.
ثالثاً: ستضطر الحكومة العراقية إلى تسريع نزع أسلحة الميليشيات الشيعية، ما سيدخلها في مواجهة مباشرة مع رجال الدين المتنفذين في المجتمع العراقي، والذين يسيطرون على عقل هذه الميليشيات، ما سيسقطها في المربع الأول، إذ إن المواجهة المباشرة مع المؤسسة الدينية في مجتمعات من هذا النوع (الاتّباعية العاطفية) خاسرة دائماً. أما الميليشيات السُنّية العراقية التي لا تنتمي إلى «داعش»، وتبحث فقط عن دور للسُنّة في المنظومة السياسية العراقية، فستعود من جديد لحمل أسلحتها ومواجهة الدولة الإقصائية المهمِّشة، والقاتلة أخيراً.
من يريد أن يفشل حكومة العبادي عليه إذاً قتل السُنّة لا الشيعة، لكن من يتجرأ على فعل ذلك؟
أهو فريق نوري المالكي والمتعصبين له الذين يهدفون إلى الانتقام ممن ساهموا في التحول السياسي أخيراً؟
أم الفصائل الشيعية المتعصبة التي لا تريد أن ترى وجوداً للسُنّة في الحكومة العراقية المقبلة، وتظن أن مدنية العبادي و «نصف علمانيته» ستبعد العراق عن قدره الطائفي؟
أم «داعش» وأتباعها الذين يعرفون أن اتفاق العراقيين بأطيافهم ومرجعياتهم كافة على حكومة وحدة وطنية سيسرّع القضاء عليهم ونفيهم إلى ظلام المجهول؟
كل ذلك جائز، لكن على حكومة العبادي أن تسرع في الكشف عن خيوط اللعبة، وتقديم المتسببين فيها إلى القضاء ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لأن ذلك هو الجدار الوحيد الذي سيحميها في مقبل الأيام.