ففي محاولة من نظام العقيد معمر القذافي لمنع تطور أخطر التحديات التي يواجهها حكمه المستمر منذ أكثر من 40 عاما، ولمنع المحتجين من تنظيم أنفسهم والاتصال فيما بينهم، قامت السلطات الليبية بقطع الانترنت، بحسب «اربور نيتووركس» الشركة المتخصصة بمراقبة حركة الانترنت ومقرها في الولايات المتحدة.
وقالت اربور نيتووركس ان ليبيا «قطعت فجأة» اتصالات الانترنت أمس، مشيرة الى ان اتصالات الانترنت كانت مضطربة أصلا خلال أمس الأول.
يأتي هذا وسط أنباء عن وصول الاحتجاجات المناهضة للحكومة والمطالبة بإسقاط القذافي إلى العاصمة طرابلس ومصراته ثالث أكبر مدن الجماهيرية، بعد أن تركزت خلال الأيام الماضية في شمال شرق ليبيا، حسبما ذكر شهود عيان.
وأفاد شهود عيان بأن الاحتجاجات المناهضة للزعيم الليبي امتدت أيضا إلى بعض الأحياء الواقعة غربي العاصمة طرابلس.
كما ذكرت مصادر أمنية ليبية أن حوالي ألف سجين تمكنوا من الفرار من سجن بمدينة بني غازي، التي تقع على بعد نحو 1000 كيلومتر الى الشرق من طرابلس، تمكنت السلطات من اعتقال 150 سجينا منهم في وقت لاحق.
وكانت «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا» المعارضة قد أعلنت في وقت سابق أن اثنين من المحتجين قتلا بالرصاص في مدينة القبة، شمالي البلاد.
وقالت الجبهة إنه تم حرق سجن «الجديدة» في منطقة تاجوراء، على الساحل الشمالي للبلاد، وإطلاق سراح المحتجزين به. ولم يتضح على الفور كيفية اندلاع الحريق.
جاءت هذه التقارير في الوقت الذي تحولت فيه احتجاجات مناوئة للحكومة، معظمها في شمال ليبيا، إلى أعمال عنف، حيث اشتبكت قوات الأمن مع المتظاهرين المطالبين بإسقاط القذافي.
وقال نشطاء المعارضة إن العشرات قتلوا أمس وأول أمس بالرصاص خلال جنازات ومسيرات لأولئك الذين قتلوا في المظاهرات الأسبوع الماضي.
ووسط صعوبة الحصول على المعلومات بسبب التعتيم والحصار الاعلامي المفروض في ليبيا تضاربت الانباء حول عدد الضحايا حيث قالت مصادر من مدينة بنغازي شمال شرق ليبيا لوكالة الأنباء الألمانية إن 25 متظاهرا قتلوا هناك أمس الأول.
من جهة أخرى، قال ناشط ليبي على موقع الشبكات الاجتماعية تويتر، الذي برز كإحدى الأدوات التي ساهمت في حشد المشاركين في الاحتجاجات بالشرق الأوسط إن المتظاهرين لا يريدون أي تنازلات من القذافي أو رشاوي من ابنه ولكن يريدونهما خارج السلطة مؤكدين أنهم يتظاهرون بشكل سلمي.
لواء النخبة
وفي غضون ذلك، اتهمت المعارضة السلطات الليبية باستقدام مرتزقة من الدول الافريقية المجاورة للمشاركة في قمع المظاهرات وخاصة من الحرس الخاص بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
كما اتهمت القوى المعارضة السلطات بتوفير مزيد من الأسلحة للواء النخبة بالجيش الذي يطلق عليه اسم «خميس القذافي» وهو أحد أبناء الزعيم الليبي.
بينما اتهمت «هيومن رايتس ووتش» السلطات الليبية بتسليح المواطنين لمهاجمة المتظاهرين وإرسال رسائل نصية تدعو «الشباب الوطني» للخروج و«الدفاع عن الرموز الوطنية».
وأشارت المنظمة إلى أن «استخدام قوات الأمن والبلطجية المسلحين لحرمان الشعب من الحق في التعبير عن معارضته للحكومة يبدو على نحو متزايد أن مآله الفشل».
من ناحية أخرى، بث التلفزيون الحكومي تحذيرات داعية مسلم مؤيد للنظام طالب فيها الليبيين بمنع انتشار الفوضى وارجع الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية في البلاد إلى تدخل إسرائيل.
وقال الداعية في صلاة الجمعة أمس الأول «تمسكوا بأمن بلادكم»، وطالب الليبيين بان يكونوا على وعي كامل بالمؤامرة «الصهيونية» ضد بلادهم.
وكان القذافي قد شارك أمس في مسيرة مؤيدة للحكومة في العاصمة طرابلس حسبما أفاد التليفزيون الليبي.
وأشارت صحيفة الوطن الليبية إليى انه سوف يتم ايفاد نجل آخر للقذافي وهو الساعدي إلى تلك المدينة للمساعدة على تطبيق «خطة تنموية غير مسبوقة».
على صعيد الضحايا ايضا، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الليبية قتلت أكثر من 84 شخصا في الاضطرابات التي شهدتها البلاد خلال الأيام الماضية.
وذكرت المنظمة انه بناء على مقابلات مع موظفين في مستشفيات محلية وشهود، احتشد آلاف المتظاهرين في مدن بنغازي والبيضاء واجدابيا والزاوية ودرنا بشرق ليبيا أمس الأول، بعد أن قتلت قوات الأمن الخميس 20 شخصا في بنغازي و23 في البيضاء وثلاثة في اجدابيا وثلاثة في درنا.
وأضافت المنظمة ان مصادر في المستشفيات المحلية قالت للمنظمة ان قوات الأمن قتلت في بنغازي 35 شخصا بالرصاص الحي.
من جانبه، قال جو ستورك نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» ان «قوات معمر القذافي الأمنية تطلق النار على مواطنين ليبيين وتقتل أعدادا كبيرة منهم فقط لأنهم يطالبون بالتغيير والمحاسبة».
وأضاف ان «على السلطات الليبية أن تسمح للمتظاهرين السلميين بالتعبير عن آرائهم».
من جهتها اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات الليبية بإطلاق النار العشوائي على المتظاهرين ما أدى إلى مقتل 46 شخصا.
وقالت مصادر في مستشفى الجلاء في بنغازي للمنظمة إن معظم الجروح التي أصيب بها المتظاهرون ناجمة عن الإصابة برصاص في الرأس والصدر والعنق.
وقال مدير المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا مالكولم سمارت إن «هذا الارتفاع المقلق في حصيلة الضحايا وطبيعة جروح الضحايا تشير بقوة إلى ان قوات الأمن حصلت على الإذن باستخدام قوة مميتة ضد متظاهرين عزلا يدعون للتغيير السياسي».
في المقابل، أمر النائب العام في ليبيا المستشار عبدالرحمن العبار بفتح تحقيق في أعمال العنف التي وقعت خلال التظاهرات المعادية للنظام وخصوصا في شرق البلاد، كما اعلن مصدر موثوق به أمس.
واضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته ان «النائب العام امر بفتح تحقيق حول اسباب الاحداث وحصيلتها في بعض المدن ودعا الى تسريع الاجراءات لمحاكمة جميع الذين يدانون بالقتل والتخريب». ولم يقدم مزيدا من التفاصيل.
وعلى الرغم من ان هذه الاضطرابات هي الأعنف التي يواجهها القذافي منذ 4 عقود، يقول مراقبون للاوضاع في ليبيا ان الوضع مختلف عن مصر لان القذافي يملك سيولة نقدية نفطية للتغلب على المشكلات الاجتماعية.
وقال نعمان بن عثمان وهو اسلامي ليبي معارض سابق يتخذ من بريطانيا مقرا له ولكن موجود حاليا في طرابلس بالتلفون انه لا توجد بالتأكيد انتفاضة عامة. واضاف انه لا يعتقد انه يمكن مقارنة ليبيا بمصر او تونس. واضاف ان القذافي سيقاتل حتى اخر لحظة.
وادت السيطرة الحكومية الصارمة والقيود المفروضة على وسائل الاعلام الى الحد من كم المعلومات الواردة بشأن الاضطرابات.
من جهتها قالت صحيفة «قورينا» الليبية الخاصة ان آلاف السكان تجمعوا في بنغازي لحضور تشييع جنازات 14 محتجا قتلوا في اشتباكات وقعت هناك. وتجمع آلاف آخرون امام مبنى محكمة بنغازي.
وقالت نشطاء معارضون ان المحتجين قاتلوا قوات الجيش من اجل السيطرة على بلدة البيضاء القريبة التي شهدت بعضا من اسوأ اعمال العنف خلال اليومين الماضيين حيث قال سكان البلدة انهم دفنوا 14 شخصا قتلوا خلال اشتباكات وقعت في وقت سابق.
ورغم ذلك فان الاضطرابات لم تكن على نطاق عام مع تركز معظم الاحتجاجات في الشرق حول بنغازي حيث يضعف التأييد للقذافي بشكل تقليدي.
ولم تكن هناك تقارير موثوق بها عن وقوع احتجاجات كبيرة في مناطق اخرى وذكرت وسائل الاعلام الرسمية انه كانت هناك تجمعات مؤيدة للقذافي في العاصمة. ونقلت «قورينا» عن مصادر لم تذكر اسمها قولها ان مؤتمر الشعب العام او البرلمان سيقر «تغييرا كبيرا» في سياسة الحكومة بما في ذلك تعيين اشخاص جدد في مناصب رفيعة.