حقا الحياة الدنيا هي عبارة عن مدرسة وكل ما فيها من أدوار وأحوال وعوامل هي مجرد أدوات ووسائل تعليمية، والغاية الجوهرية من إيجاد الإنسان في خبرة الحياة الدنيا هي تطوير وترقية وبلورة وعيه إلى أقصى ما يمكن لكي تصبح لديه القابلية للوعي بالرب ومعرفته حق الوعي والمعرفة، وليخلد للأبد مع ثمار هذا الوعي الرباني،
ولهذا كل ما يؤدي لقصور في تطور وترقي البنية الفكرية والنفسية والقيمية والسلوكية والروحية للإنسان هو في الحقيقة عدو له وليس في صالحه وإن بدا في الظاهر عكس ذلك، ولهذا على سبيل المثال الخصوم الناقدون هم أكثر إفادة ونفعا للإنسان من أصدقائه وأهله
ومن يتملقونه لأطماعهم، فهم لحرصهم على عدم تعكير العلاقة به يصمتون عن عيوبه ونواقصه وأخطائه وقصوره، وهم بهذا يتواطأون على إدامة تلك الأحوال والصفات السلبية فيه، وبالتالي إبقاء عقليته وشخصيته في المستوى البدائي غير المترقي مما يريده دنيويا وآخرويا، بينما خصومه ونقاده يبصروه بعيوبه وأخطائه وقصوره طالما لم ينشغل بردة الفعل الارتدادية الانفعالية الدفاعية اللاواعية التي تجعله ينزع لإرادة إسكاتهم واغتيالهم معنويا ليحفظ كبرياء نرجسية غرور أناه،
وبدلا عن هذا أخذ نقدهم على محمل الجد وإن كان مؤلما وبدأ يصحح أخطاءه ويكمل نواقصه ويهذب نفسه بالمثاليات، فهذا الذي سيساعده على التطور والترقي والوصول للكمال، ولهذا من الحكمة الجماعية المثل القائل «عدو عاقل خير من صديق جاهل» وعلم النفس الحديث يصنف من ضمن الحيل الدفاعية اللاواعية لغرور الأنا رفض ومعاداة ومقاومة وإنكار كل ما يمس تصور الإنسان المغتر عن الأنا الفردية والجماعية كذات كاملة مثالية وذات أفضلية وأحقية على من عداها، وإسقاطه كل الظلال المظلمة لأخطائه وعيوبه على الآخرين لكي يلومهم عليها.
المسؤولية
وبهذا لا يتحمل المسؤولية عن شيء من سوئه ولا يعترف بوجود نقص أو عيب فيه، وهذا يبقيه في مستوى النضج العقلي والنفسي والانفعالي اللاواعي لطفل دون السادسة من العمر وإن بلغ المائة من العمر، وبالطبع تقبل النقد موجع، لكن لا يوجد علاج ولا نمو بدون ألم، ومن قوة الإنسان الجوهرية أن يحتمل ألم النقد وإن كان جائرا وقاسيا لأنه في الحقيقة المرآة التي تساعده على التطور والنمو والترقي الاعلى وبدونه سيبقى عالقا بالمستوى البدائي اللاواعي وعواقبه السلبية المردية، والشديد ليس الذي يصارع ويصرع غيره بردات الأفعال الانتقامية لنرجسية غرور أناه، إنما الشديد هو الذي يضبط نفسه عنها ويركز على تصحيح وترقية ذاته.