إكس خبر- بعد أشهر كان سيبلغ الرابعة والعشرين من عمره، وكان يستعدّ لتمثيل لبنان في سباقات الدريفت في دبي. بعد سنة كان سيحوز شهادته الجامعيّة في هندسة الميكانيك من جامعة سيدة اللويزة، كان يريد شراء منزل وتأسيس عائلة، كان يريد المشاركة في سباقات أقليميّة وعالميّة واكتساب شهرة تتعدى نطاق لبنان وحدوده، كانت طموحاته كبيرة وكثيرة ولكنّها باتت اليوم في “خبر كان“.
ليل العاشر من أيلول الحالي كان مفصليًا في حياته. رصاصة واحدة في الرأس، في لحظة ضياع ربّما أو تشتت أو يأس، كانت كفيلة بالقضاء على كلّ هذه الطموحات. حطّمت قلب والدته ليلى التي انتظرت عشرين سنة زواج لترى فلذة كبدها، وكسرت آمال والده أنطوان الذي كان يرى نفسه في وحيده ويحقّق أحلامه من خلاله.
في تلك الليلة توفي جاد هيمو. توفي ملك الدريفت كما يناديه الأصدقاء، وكلّ من شاهد موهبته في هذه السباقات، التي حصد جراءها وفي مدّة لم تتعدَ السنتين، شهرة واسعة، لم تفقده يومًا طيبته وتواضعه.
ماذا يقول أصدقاء الحلبة عنه؟ كيف يصفونه؟ وماذا تشير التحقيقات الأوليّة؟ وما هي الدوافع التي جعلته يختار نهاية مماثلة؟
لديه كلّ شيء … لكن
يقول جوزف قبان لـ”النهار” : “كانت تصرّفاته طبيعيّة، لم يكن يعاني من مشكلات ماديّة، لديه كاراج خاصّ به، وكان يريد شراء بيت وإنهاء دراسته الجامعيّة، والفتيات من حوله. كان إنسانًا واعيًا ومتواضعًا ومهذبًا وطيبًا، ليس له أعداء بل هو محبوب من الكلّ. لكنّه كان كتومًا، خصوصًا في ما يتعلّق بحياته العاطفيّة، كثيرون كان يعرفون من خلاله أنه لديه حبيبة، لكن أحدًا لا يعرف من هي، لكنّه كان يحبّها كثيرًا. هذا الأمر كان المجهول الوحيد في حياته“.
وعن علاقته بعائلته وبالشاب الذي كان يرافقه ليلة وفاته، يقول: “هو وحيد أهله، والده كان رفيقه الدائم في السباقات، خصوصًا أنه كان يرى نفسه من خلاله، ويحقّق عبره أحلامه بقيادة السيّارات السريعة، لكنّ أهله اليوم في حالة من الصدمة. أمّا جوني نادر الشاب الذي كان برفقته يوم وفاته، فلم يكن من الأصدقاء المقرّبين له، ولم يكن دائم الوجود في سهراتنا وخروجاتنا، لذلك هناك ما يستدعي الاستغراب من وجوده معه يوم وفاته“.
مشكلة واحدة
أمّا غارو كريكوريان الذي يعدّ من أكثر المقرّبين إليه، خصوصًا أنه عضو في فريقه، ويحضّران السيّارات معًا ويخطّطان للسباقات وللأحلام المستقبليّة فيقول لـ”النهار”: “ستظهر نتيجة التحقيقات اليوم، ولكن 99% إنها حالة انتحار وليست جريمة قتل، أنا من أشدّ المقرّبين منه، نخرج يوميًا وأراه أكثر مما أرى زوجتي، لم يكن لديه مشكلات ماديّة أو منزليّة، بل كان كثيرون يحلمون بأن يعيشوا مثله، كان يملك كلّ ما يتمنّاه أي شخص، لكن كانت لديه مشكلة عاطفيّة“.
وعن وقع الخبر على أهله ومعرفتهم بالمشكلة، يردّ: “والدته تضبط انفعالاتها ومازالت تحت هول الصدمة، ووالده أشبه بتمثال، إنه إبنهما الوحيد. هما لا يعلمان بمشكلته العاطفيّة، وهي ليست مشكلة تستدعي قتل نفسه من أجلها، ونحن لم نعلم حتى الساعة لماذا أقدم على ذلك“.
رصاصة أطاحت بطموحات
هل قطع الأمل من إمكان أن يكون مع حبيبته فقتل نفسه؟ ومن هي؟ وهل تكبره في العمر؟ يردّ غارو : ” ربما، لا يمكنني قول أكثر من ذلك، ولا يمكنني ذكر إسمها أو حتى عمرها، هذه حياته الشخصيّة، وعلينا احترامها واحترام رهبة الموت. كلّ ما يمكنني قوله أنه صاحب نفسيّة طيّبة، وأخلاق عالية، متواضع رغم شهرته الواسعة، كل الصفات الجميلة موجودة فيه، كنت أقضي وقتًا معه أكثر من الوقت الذي أقضيه برفقة زوجتي، وكنا نخرج يوميًا، لم يكن يفكّر بالانتحار يومًا، لو ألمح للموضوع مرّة لكنا تداركنا الوضع، على العكس طموحاته كثيرة سواء لناحية الزواج وتأسيس عائلة أو حتى لتطوير نفسه في رياضة السيّارات والمشاركة في مسابقات عالميّة“.
تغيّر بأسبوعين
هل تلقى تهديدات أو كان خائفًا من وضع ما؟ يقول غارو: “لم يتلق تهديدات، والتسجيلات والمحادثات الموجودة على هاتفه صارت في عهدة الأجهزة الأمنيّة، وما من دليل على تلقيه تهديدات. في الأسبوعين الأخيرين، كان منزويًا ولا يخرج من المنزل، ولا يردّ على اتصالات أحد، فكّرنا أنه من الممكن أن يكون قد تلقى تهديدًا من أحد، ولكن تبيّن أنه لم يكن مرتاح نفسيًا، فاحترمنا رغبته بالبقاء وحيدًا، تمكّنت من التواصل معه مرّة واحدة وأخبرني أنه بخير، وبما أنه شاب ظننت أنه ربّما ترك صديقته أو أن هناك مشكلات بينهما، وأنه يأخذ فترة من الراحة وسيعود إلى طبيعته بعد أيّام، لم نكن نعرف أن هذا ما سيحصل، ولم نتقبّل الفكرة بعد، تغيّر كثيرًا في الأسبوعين الأخيرين“.
يوم الحادثة
ليل العاشر من أيلول (سبتمبر) الحالي، فجع الوسط الرياضي بخبر وفاة جاد هيمو (24 عامًا) وهو بطل لبنان في سباق الدريفت لعام 2013-2014، في حادث غامض على أوتستراد المتن السريع. كان هيمو برفقة أحد أصدقائه ويدعى جوني نادر وملقّب بـ”يويو”. اتصل به هيمو للخروج معًا، وفي طريقهما طلب هيمو من نادر أن يعطيه مسدّسه ليلقي نظرة عليه، فترجّل من سيارته وأطلق النار على نفسه، وتوفي على الفور. فتوجّه نادر مباشرة إلى أقرب مخفر للدرك وبلّغ عن الحادثة فأوقف على ذمّة التحقيق، وقد أقيمت له مراسم الدفن في كنيسة سيدة البشارة للسريان الكاثوليك – المتحف.