تمثل البورصة المرآة العاكسة لطبيعة التفاعلات الحاصلة بين المعطيات ذات الصلة بالاقتصاد الوطني، وكلما كانت هذه التفاعلات ايجابية كان أداء السوق جيدا وقويا والعكس صحيح بطبيعة الحال.
وفي مقدمة المعطيات التي يفترض نظريا وعمليا أن يعكسها أداء البورصة، أي بورصة، التطورات المرتبطة بالشركات المدرجة في مختلف القطاعات لاسيما القيادية منها، ومن أهم هذه التطورات والمعطيات البيانات المالية لتلك الشركات سواء كانت نتائج فصلية «ربع أو نصف سنوية»، أو سنوية.
لكن بالنسبة لسوق الكويت للأوراق المالية يبدو أن الأمر مختلف فيما يتعلق بهذه القاعدة البديهية المستقرة عمليا في أداء أسواق المال العالمية.. حيث يمكن الزعم بأن البورصة الكويتية لها «حسابات أخرى».
هذه الحسابات الأخرى تتمثل في أن السوق يبدي تأثرا بالعوامل النفسية أكثر من كونه عاكسا للتأثيرات ذات الصلة بالمعطيات الموضوعية المرتبطة بالشركات المدرجة، ذلك أنه بإلقاء نظرة سريعة على أداء السوق خلال الربع الحالي وهو الربع الأخير من العام الحالي، نجد أن هذا الأداء، لاسيما في الأسابيع الثلاثة الأخيرة لم يعكس على نحو جيد وفعال النتائج الايجابية لإعلانات البيانات المالية للشركات المدرجة سواء عن الربع الثالث أو النتائج المالية المجمعة عن الأشهر التسعة المنتهية في 30 سبتمبر الماضي، خاصة في قطاع البنوك باعتباره «القطاع القائد» للسوق في السنوات الأخيرة.
وفي المقابل، بدا واضحا أن السوق كان، ولايزال، أكثر تأثرا بالعوامل النفسية، لاسيما الجدل والتطورات المختلفة المرتبطة بصفقة «زين ـ اتصالات».
«الأنباء» استطلعت آراء مجموعة من المحللين والمراقبين في محاولة لفك شفرة «الحسابات الأخرى» للبورصة الكويتية.
السوق وصفقة «زين ـ اتصالات»
بداية، قال مدير الاستثمار والمحلل المالي بشركة بيت الاستثمار العالمي «جلوبل» ميثم الشخص ان الملاحظ أن العوامل النفسية التي ليس لها اتصال مباشر بنشاط الشركات المدرجة هي التي لها الوزن النسبي الأكبر في التأثير على مجريات التداول في سوق الكويت للأوراق المالية، وهي المتحكمةفي بأداء البورصة، في حين ان العوامل الخاصة بنشاط وأداء الشركات المدرجة لها انعكاس محدود وذلك بعكس ما هو حادث في أسواق المال الأخرى في المنطقة وفي العالم، مشيرا الى انه يأتي في مقدمة هذه العوامل التداعيات النفسية للأزمة المالية العالمية التي خفضت على نحو كبير قيم أصول الشركات بسبب الخوف والهلع من انتقال الأزمة من الأسواق الأخرى.
وعلى صعيد العوامل النفسية ذات الارتباط المحلي، أشار الشخص الى أنه في الآونة الأخيرة نجد أن صفقة «زين ـ اتصالات» هي المتحكمة في أداء السوق الذي عكس تطورات هذه الصفقة، في حين كان تفاعله مع النتائج الايجابية للدورة الفصلية للشركات المدرجة محدودا، رغم ان هذه النتائج تعد أفضل وأوضح في الارباح الفترات المماثلة من العام الماضي.
وأشار الى ان هناك عوامل موضوعية ولكن السوق لم يتفاعل معها بالايجابية المتوقعة نظرا لأن تأثيراتها طويلة المدى، ومن ذلك خطة التنمية، حيث كانت ردود أفعال البورصة معها ليست بالمستوى المتوقع أو المأمول نظرا لكون تأثيرها سينعكس على بعض الشركات المدرجة وليس جميعها لاسيما القيادية منها.
وتوقع الشخص أن يرتبط أداء البورصة، ومن ثم نتائجها العامة، خلال الربع الأخير من 2010 بالعوامل المحيطة بالسوق، لاسيما تطورات صفقة زين حتى لو كانت هذه العوامل غير ولا تأتي في سياق المنطق الاقتصادي السليم الذي يعطي الأولوية للعوامل ذات الصلة بنشاط وأداء ونتائج الشركات والقطاعات المدرجة على ما عداها.
مفارقة وحساسية مفرطة
بدوره، لفت المحلل المالي محمد الحبيب إلى أن الربع الثالث من العام الحالي شهد نتائج مالية أفضل نسبيا من الفترات السابقة، ومع ذلك لم يترجم ذلك بشكل فعال وواضح في الأداء العام للبورصة، فقد نجحت بعض الشركات في تحسين مراكزها المالية وقيمها السوقية، واستطاع البعض الآخر ان يقلل من حجم الخسائر التي مني بها خلال الدورات الفصلية الماضية، ومع ذلك كان الأداء الايجابي العام للسوق محدودا.
وعزى الحبيب هذا الأمر الذي وصفه بـ «المفارقة»، إلى عدم وجود مقياس واضح للنمو التشغيلي للشركات يترجم نتائج نشاطها عمليا في السوق الذي مازال يعاني حساسية مفرطة في التأثر تجاه العوامل المحيطة به، لاسيما النفسية، على حساب تأثره المفترض بأداء ونشاط الشركات المدرجة في قطاعاته المختلفة خاصة القيادية مثل البنوك والاستثمار والعقار.
هيئة أسواق المال والأداء غير المتناغم للسوق
المحلل الفني بفريق دريال للتحليل الفني يعقوب الباش فسر محدودية تفاعل البورصة مع النتائج المالية الايجابية للشركات في الربع الثالث أو الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بوجود تسريب لهذه البيانات المالية قبل الإعلان عنها رسميا بنحو شهر أو عدة اسابيع الأمر الذي يعني عمليا تفاعل السوق معها من خلال اتخاذ المستثمرين قراراتهم في ضوء هذه التسريبات وفق قاعدة «اشتر عند الشائعة وبع عند الحقيقة»، ومن ثم يكون تفاعل السوق ضعيفا وربما شبه منعدم عند الاعلان الرسمي عن النتائج المالية.
وأضاف أن هناك عاملا آخر يفسر هذا التفاعل المحدود أو البطيء للسوق مع اعلانات الشركات للعام الحالي تحديدا، ويتمثل في خروج رؤوس الأموال الكبيرة من السوق للمساهمة واخذ نصيب من مشاريع خطة التنمية التي تتضمن فرصا واعدة للشركات الكبرى، وهذا أمر حيوي في ظل الأزمة المالية العالمية وما خلفته من قيود على تمويل الشركات.
واعتبر الباش أن الإسراع في تفعيل دور ومهام هيئة أسواق المال، لاسيما فيما يتعلق بالرقابة على المعلومات والبيانات المالية، سوف يقضي على الشائعات، ومن ثم يساهم في أن يكون أداء البورصة متناغما ومترجما حقيقيا لأوضاع ونشاط الشركات المدرجة، لاسيما فيما يتعلق بنتائجها وإعلاناتها المالية، حيث يتم القضاء على التسريبات المتعلقة بها.
أموال ساخنة
من جانبه، أفاد رئيس الأكاديمية الاقتصادية إبراهيم خلف بأن البورصة الكويتية مازالت تتأثر بالعوامل الوقتية أكثر من العوامل طويلة المدى، مبينا انه أوضح مثالا على ذلك انه عند مقارنة السوق الكويتي مع بعض أسواق الجوار وليكن السوق القطري سوف نجد أن البورصة الكويتية سباقة سواء من حيث نسب النمو الجيد أو النتائج القياسية للشركات أو حتى الأداء العام، ولكن سنلاحظ أن السوق القطري كان أقل تأثرا بالعوامل الوقتية وأكثر انعكاسا للنتائج التي حققتها شركاته المدرجة.
وأضاف أنه في مقدمة الأسباب التي تفسر ذلك ان هناك بعض الأموال الساخنة التي دخلت السوق الكويتي واستفادت من بعض الشد والجذب وربما اللغط حول صفقة «زين ـ اتصالات» ثم خرجت تاركة آثارها السلبية على البورصة، الأمر الذي ساهم الى حد كبير في تحييد تأثير النتائج الايجابية الفصلية للشركات المدرجة.