إكس خبر- قطعَ الطفل جورج واشنطن – أول رئيس للولايات المتحدة الأميركية – أسفل شجرة الكرز قاضياً عليها، ليست المشكلة في أن الشجرة قُطعَت فحسب، بل في أنها شجرة الكرز المفضّلة لدى والده. وقع، إذاً، الطفل جورج في ورطة بما أن الأمر سيُغصب أباه جدّاً. قد تكون الغريزة الأولى عند الطفل في هذه الحالة محاولة تبرئة الذات والكَذِب والنّكران، لكن “الطفل-الرئيس” جورج تحمّل مسؤولية فعلته واعترف بالأمر لأبيه قائلاً: “لا يمكنني أن أقول كذبة”، ما يشكّل قصّة مؤثرة لتعليم الأطفال قول الحقيقة وعدم الكذب.
حكايات سلبية عن الكذب
يعتمد الأهل لتعليم ولدهم عدمَ الكذب على التهديد بالعواقب الناجمة عن إخفاء الحقيقة، فيحذّرونه من أنه سيُحرَم من أمرٍ معين في حال الكذب، وسيتعرّض لعقابٍ قاسٍ إذا لم يقل الحقيقة كاملة. يستعينون بقصصٍ تفيد بأن الكذب لا يأتي إلا بالسوء على قائله، مثل حكاية “راعي الغنم” المأخوذة من كاتب الحكايات الإغريقي إيسوب. فيها يوهم الراعي سكان القرية المجاورة أن هناك ذئباً يهاجمه وقطيعَه، فيهبّون للمساعدة ليتبين أنه يخدعهم، ويتكرر الأمر مرّة أخرى، فعندما فعلاً هاجمه الذئب لم يأتِ أحدٌ لنجدته. كذلك يُخبرون الطفل قصة “بينوكيو” الذي يطول أنفه عند تلفّظه بالكذِب، في محاولةٍ منهم لمنعه عن الكذِب ولقول الحقيقة كما هي.
تعليم الصدق أفضل من التهديد بالعقاب
لكن أكدت الدراسة التي أجراها الاختصاصي في علم النفس في جامعة تورونتو كانغ لي والتي نشرَتها مجلة “علم النفس” في حزيران الماضي أنه من الأفضل تعليم الولد الصدق بدل التحذير من عواقب الكذب. يقول لي إن الجميع يستعمل الحكايات التي تهدّد الطفل بعقوبات الكذِب فيما عليهم الاستعانة بالحكايات التي تُشبه ما فعله الرئيس جورج واشنطن عندما كان طفلاً، بما أنه اختار الاعتراف بخطأه وقول الحقيقة.
إذ استعان لي في دراسته بـ286 طفلاً (ذكر وأنثى) تراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات، ووضع لعبة وراء كلّ واحد منهم، داعياً إياهم لعدم الالتفات إلى الوراء لمعرفة ماهيتها فهو سيشغّل الصّوت الذي يصدر منها، إذ قد يكون كلباً أو دجاجة أو هرّة، وإذا حزروا يربحون جائزة في النهاية.
بعد محاولات عدّة غيّر فيها لي اللعبة وراء الطفل، غادرَ الغرفة تاركاً الأطفال وحيدين حتى يعرف ما إذا سيتطلعون إلى الوراء أي سيغشّون، محذّراً إياهم من النظر، وواضعاً كاميرا خفية لرؤية ماذا سيحدث. ثم عاد وأخبر حكاية معينة لكل طفل، ثمّ يسأله ما إذا نظر إلى اللعبة عندما كان خارج الغرفة.
من سمعوا القصة اعترفوا بأنهم تطلعوا بنسبة 30%، وبقيت النسبة نفسها عند الذين سمعوا حكاية “بينوكيو”، وارتفعت إلى الـ35% عند سامعي حكاية “راعي الغنم”. لكن أتت الحقيقة بالنسبة الأكبر عند الأطفال الذين سمعوا قصة جورج واشنطن الذي اعترف بفعلته ولم يكذب، إذ 40% من الأطفال اعترفوا أنهم تطلعوا إلى اللعبة.
تعليم أخلاقية الصدق هو الأساس
اعتبر الاختصاصي في علم النفس كانغ لي بعد تبيان نتائج دراسته أن ما على الأهل فعله هو تعليم الأطفال قَول الحقيقة، والابتعاد عن تهديدهم بالعقاب في حال كذبوا: “في الصدق أخلاقية وصقلٌ لشخصية الطفل. أنصح الأهل تعليم ولدهم أن يكون صادقاً لأن في الصدق إيجابية وراحة نفسية، إذ في هذه الطريقة يركّزون على تصرفات طفلهم ويحسّنونها، بدل التركيز على ما يحصل بعد حصولها، أي العقاب بعد الكَذِب“.