اكس خبر- على طاولة الحوار الوطني، وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري الملفات الشائكة، وخصوصًا ما يتعلق برئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات النيابية. يترابط الملفان عملياً، لدورهما في تحديد مسار الحياة السياسية في لبنان.
جاء كلام الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حول “التسوية الشاملة”، فتحدث عما هو مطروح على الطاولة، لكن مع تقديم ضمانة لتيار “المستقبل” بعدم المس بصيغة اتفاق “الطائف”.
كان رئيس تيار “المستقبل” النائب سعد الحريري يراقب عن بُعد، فهو لم يعد مقتنعاً بالبقاء خارج لبنان. ثمة تحولات سعودية رُصدت في الأسابيع الماضية توحي بأن الرياض تتجه لعدم حصر علاقتها بالسُّنة في لبنان بالحريري. الدليل ظهر على الأقل بالترحيب السعودي بزيارة رئيس حزب “الاتحاد” الوزير السابق عبد الرحيم مراد الى جدّة، ولقائه مسؤولين كبار فيها والاهتمام بطروحاته التسووية، خصوصاً ان مراد كان اعلن إنحيازه الى جانب السعودية في قضية اليمن. الرياض “قدّرت لمراد موقفه”. ايضاً ما زاد الترحيب بمراد انه يرتبط بعلاقات قوية مع القاهرة الآن.
تلك المؤشرات تقلق الحريري عملياً، وتُضاف الى طموح “مستقبليين” ساعين للوصول الى سدة رئاسة مجلس الوزراء من داخل الصف الواحد. من هنا جاءت إندفاعة “الشيخ سعد” في اتخاذ قرار العودة الى السلطة. هو يعرف انه موضع ترحيب أخصامه قبل حلفائه، بإعتبار ان المخاطر الإرهابية تفرض وحدة الصف الداخلي وتقوية تيارات الاعتدال لصد مشاريع التطرف.
الحوار الثنائي في عين التينة بين “حزب الله” و”المستقبل” كسر القطيعة بين الفريقين وقرّب المسافات ومهّد لمرحلة آتية لا محالة. لعب بري الدور الأبرز في إنجاح حوار يُعد الاول والفريد من نوعه على مستوى المنطقة حالياً بين تيارين سياسيين سني وشيعي.
نيابياً وشعبياً لا يزال “التيار الازرق” هو ممثل المسلمين السنّة في لبنان. لا يشارك الحريري في هذا التمثيل اي خصم يصل الى 40 في المئة.
يضع “المستقبل” فيتو على المرشح الرئاسي الاساسي لقوى “8 آذار” رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون، لاعتبارات لا تتعلق بخيارات “الجنرال” السياسية بقدر ما ترتبط بعدم وجود “كيمياء” بين “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل”. القضية لا تنحصر بكتاب “الابراء المستحيل” ولا بالمآخذ المتبادلة فقط. هي خلافات تراكمية و”قلوب مليانة” يصعُب على الحريري نفسه توصيفها. يزيدها تنصل الحريري من وعوده لعون سابقاً، تحديداً في شأن قيادة الجيش وعدم تعيين العميد شامل روكز.
مهما يكن، بالمحصلة “الفيتو” الذي يضعه تيار “المستقبل” يُعتبر بالحسابات الميثاقية اللبنانية عدم موافقة السنّة على انتخاب عون، رغم ان “الجنرال” هو الزعيم المسيحي الاول وصاحب التمثيل الأوسع. هذا ما تؤكده الإحصاءات وعدد نواب كتلته، ولا ينكر ذلك خصومه. لكن هذا لم يغيّر من رأي “المستقبل” بترشيحه.
ذاك “الفيتو” يشبه تماماً من الناحية الميثاقية “فيتو” الشيعة على رئيس حزب “القوات” سمير جعجع، ما يعني ان الزعيمين يصطدمان بمطبات ميثاقية تمنع انعقاد جلسة انتخابية لمجلس النواب بالغياب الاعتراضي لأحد المكوّنين.
من هنا كان لا بدّ للحريري من مخرج يؤمن له العودة الى السلطة، ويحرّك الركود في البلد ويملأ الشغور الرئاسي ويفعّل المؤسسات، خصوصاً ان الازمة الإقليمية مفتوحة من دون أفق واضح، بعكس ما اعتبر سياسيون ان الحريري يسابق التسويات الإقليمية والدولية او ما يقوم به “هزيمة”.
وقع الخيار على رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية كمرشح موجود. تنطبق عليه مواصفات الرئيس كما حددتها طاولة الحوار. هو من صلب قوى “8 آذار”، يؤمّن التوازن في المرحلة الجديدة بوجود الحريري ممثلاً لقوى “14 آذار” على رأس الحكومة العتيدة.
اعتقد رئيس “المستقبل” انه قادر على الانسجام مع فرنجية بناء على تجارب الشراكة في الحكومة التي كان يترأسها الحريري. يومها سهّل فرنجية التأليف، وبدا منفتحاً على اي نقاش سياسي. كما ان المنطق يفرض ان يكون “حزب الله” وحركة “امل” الى جانب رئيس “المردة” الذي يتحالف مع الحزب والحركة. اما “الكتائب” فعلاقتهم بـ”المردة” ممتازة. مصلحة النائب سامي الجميل تقضي بذلك، لاعتبارات تتعلق بسباق الكتائبيين مع “القوات”. هذا ما استعرضه الحريري في دراسة تبني ترشيح فرنجية، ما يعني ان الغالبية الى جانب هذا الترشح، بعد إندفاعة رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط لتسويق رئيس “المردة”.
لكن فرنجية لا يقبل الذهاب الى جلسة انتخابه في حال عدم موافقة عون. هذا التزام أدبي وسياسي عنده. لا يزال يقول: طالما “الجنرال” مرشح، انا أؤيد “الجنرال”.
استحضر الحريري سيناريوهين: الاول موافقة عون على انتخاب فرنجية، على قاعدة التحالف بينهما. حينها يكون زعيم “المردة” جمع غالبية الأصوات بإستثناء “القوات”، ما يعني شبه إجماع وطني.
والسيناريو الاخر هو معارضة “الجنرال” على قاعدة انه المرشح الاول للرئاسة، بينما فرنجية هو المرشح الثاني، عندها يكون الحريري قد رسّخ شرخاً بين “العونيين” و”المردة”، واربك “حزب الله” مع حليفين أساسيين.
في الساعات الماضية التقى وفد من الحزب رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل في “جلسة جس نبض”. لكن لا مؤشرات واضحة. قد يكون قانون الانتخاب والحصص الحكومية هي في صلب مخرج التسوية الشاملة. لكن لم تظهر تفاصيلها بعد.
اللافت أيضاً ان اجماعاً دولياً رُصد في دعم خطوة ترشح فرنجية، او على الاقل عدم ظهور اي “فيتو” خارجي. الحريري لم يكن ليتقدم بمناقشاته ويتحدث لنواب “المستقبل” وحلفائه عن الخطوة، لو كانت الرياض تعارض وصول رئيس “المردة”. الأميركيون راضون والبريطانيون أبلغوا بنشعي مباركتهم وكذلك فعل الفرنسيون والروس والإيرانيون والمصريون. بعضهم يبرر موقفه المؤيد بأهمية ان يملأ لبنان شغوره الرئاسي.
لكن كل ذلك في كفة، والموازين الداخلية في كفة. ربما اعتراض “القوات” عملياً على وصول فرنجية قد يدفع جعجع وعون لإظهار موقف مشترك برفض الطرح. كل لديه حساباته. فهل نكون امام مشهد 1988؟ يومها أجهض الفريقان رغم التباعد بينهما، تسوية دولية-داخلية كانت تقضي بانتخاب مخايل الضاهر. لم تنته يومها الأزمات واستمرت حتى حانت لحظة التوافق الإقليمي-الدولي، فأُجبرت القوى اللبنانية على التوافق في التوقيع على صيغة “الطائف”، وحصل ما حصل.
هل تتكرر الحكاية؟
الكاتب: عباس ضاهر