إكس خبر-سؤال لا أعتقد ان أحداً يجرؤ على الإجابة عليه في الوقت الراهن، إن سلباً او إيجاباً، والسبب واضح، اذ أن الكل يدرك ليس فقط خطورة المرحلة، بل عظم التحديات التي تركها نوري المالكي والتي تتمثل في إرث طويل عريض من المشكلات والأزمات.
اضطر المالكي الى اعلان هزيمته بعد ان اخفقت كل محاولاته وباءت بالفشل، وهكذا بات يلقب رغماً عنه رئيس الوزراء السابق، لم يستسلم المالكي لمجرد انه أدرك متأخراً انه مرفوض وطنياً وعلى نطاق واسع، او لأن المرجعية الشيعية أعلنت عن رغبتها في التغيير، او لأن العراق بفضل تبعية المالكي لإيران بات معزولاً عربياً ومنبوذاً خليجياً. لا هذا ولا ذاك. السبب في التحول خلال 24 ساعة من موقف الرفض التام الى القبول التام بخليفته حيدر العبادي لا تفسير له سوى تهديد من طرف خارجي بكشف مستور، وما أكثر ما تركه المالكي من عورات يكفي كشفها حتى تنفتح عليه أبواب المحكمة الجنائية الدولية، ولهذا فغالبية الظن ان المالكي انسحب بناء على صفقة. ولا بد ان نتحسب لذلك في قراءتنا للتغيير الذي حصل.
انتهى عهد نوري المالكي، ويفترض ان عهداً جديداً قد بدأ، لكن من يملك الجرأة على تأكيد ذلك؟ لا احد، خصوصاً ان هناك مخاوف مشروعة على نطاق واسع من احتمال ان يخذل العبادي اكثر المتفائلين بقدومه ويثبت للجميع انه لن يكون الا نسخة جديدة لنوري المالكي! احتمال وارد تعززه حقائق موضوعية كون العبادي عضواً قيادياً متمرساً في حزب المالكي أي حزب «الدعوة»، ولهذا ليس مستغرباً تصريح بعض المتفائلين بتكليف العبادي بأنهم متفائلون بحذر.
ضخّم الاعلام العالمي خبر تكليف العبادي تشكيل الحكومة، ما ترك الانطباع للمتابع ان تغيير المالكي هدف في حد ذاته، وان جميع مشكلات العراق ستجد الحلول لمجرد رحيله! وهو انطباع خاطئ ساهمت عوامل كثيرة في تكريسه منها تمحور الخلاف السياسي خلال السنوات الماضية حول شخص المالكي بحيث بات الجميع يعتبر أزمات العراق مجسدة فيه. ولهذا خرج المتابعون للشأن العراقي بانطباع ان التغيير يتحقق برحيل نوري المالكي، وهو انطباع خاطئ.
لا ادري كيف ينظر العبادي الى إرث سلفه. هو لم ينتقده حتى اللحظة، لكن مجرد جرأته في التصدي لنوري المالكي والترشح بدلاً منه تنطوي على معان كثيرة من بينها رفض المالكي بشخصه وسياساته. مجازفة ما تحملها العبادي لولا شعوره بأن القضية التي يأتي من أجلها وأحسبها التغيير خطيرة وتستحق.
لو افترضنا ان مهمة العراقيين بعد غزو العراق عام 2003 انصرفت الى بناء عراق أفضل، أمناً واستقراراً وازدهاراً، يحقق للمواطن العراقي حياة آمنة حرة كريمة، فان العراقيين فشلوا ومن يتحمل المسؤولية في هذا الفشل هو من وفر له الدستور اكبر الصلاحيات وأهمها على الإطلاق، واقصد منصب رئيس مجلس الوزراء. لقد فشل نوري المالكي باعتراف منظمات أممية تراقب وتقيم جودة الحكم على الصعيد الدولي.
فإذا سعى حيدر العبادي الى استنساخ تجربة سلفه على أساس انها سياسة حزب «الدعوة» ما يفرض عليه الولاء لها فانه يكون قد حكم على نفسه منذ البداية بالفشل ولا أظنه سيفعل، لهذا من المؤكد انه يسعى للتغيير لانه بالضرورة يبحث عن النجاح.
التحديات والملفات التي تركها السلف للخلف من غير المتوقع ان تحل بسهولة وفي فترة قصيرة من الزمن، ولا بد من خريطة طريق للإصلاح تنطوي على سلم أولويات يضمن معالجة التحديات الملحة اولاً، أي اعتماد سياسة الأهم قبل المهم. وليس هناك تحدّ أخطر من التقسيم والحرب الأهلية، وإذا كانت الخلافات الضاغطة نحو انفصال اقليم كردستان ذات بعد اداري واقتصادي وأمني فإنها بين المحافظات المنتفضة الست وحكومة المركز اعقد وأخطر. لقد بات العرب السنّة يعتقدون ان لا مكان لهم كشركاء في وطن واحد، وأصبحت هويتهم وعقيدتهم بل ووجودهم مستهدفاً. وبينما هم يتطلعون الى دولة مدنية، دولة مؤسسات وقانون، دولة خالية من التمييز والظلم، فان الطرف المقابل كان قد باشر منذ عام ٢٠٠٥ بحرف العملية السياسية بمنهجية واضحة نحو الدولة الدينية المذهبية التي يحكمها حزب لا يؤمن بالآخر ولا يعترف به ويقفز على حقيقة ان العراق مجتمع متعدد الأعراق والديانات والمذاهب والثقافات. وان بقيت الامور هكذا فالعراق ذاهب للتقسيم الفعلي لا محالة. واذا كانت رغبة الحكومة القادمة تعزيز الوحدة الوطنية وازالة آثار السياسات التمييزية الطائفية الخاطئة فانه لا بد من إنصاف العرب السنّة من خلال رزمة من الإصلاحات العاجلة ترفع الغبن الذي أصابهم وتعيد الثقة بهم والاطمئنان الى نفوسهم وتضعهم كما هي حال بقية المواطنين في موضع الندية والمساواة مع أقرانهم من الشيعة.
لقد طارد نوري المالكي العرب السنّة من دون هوادة وضيّق عليهم وخيّرهم بين قطع الارزاق بقانون المساءلة والعدالة وقطع الاعناق طبقاً لقانون مكافحة الارهاب. تعرض السنّة ولا سيما خلال سنوات حكمه الى تطهير مذهبي لم يشهده العراق الحديث من قبل. ولهذا اضطروا لرفع السلاح ورحبوا مكرهين ايضا وفتحوا أبوابهم لتنظيمات متطرفة كانوا قد حاربوها خلال الأعوام 2007 و 2008، حيث لم يعد امامهم من سبيل آخر للحياة.
يحاول البعض ان يختصر التحدي الأخطر الذي يواجه العراقيين بظاهرة نشوء وامتداد تنظيم «الدولة الاسلامية» فحسب، من دون ان يشغل نفسه بتقليب أوراق الماضي للتعرف على جذور المشكلة وكيف حصل ما حصل. لقد نشأ هذا التنظيم في ظل شيوع الظلم والتهميش والإقصاء وترعرع عندما فتحت أمامه حاضنة عربية سنّية يائسة وغاضبة. ومن المؤمل ان تغير هذه الحاضنة من موقفها متى استشعرت العدل والإنصاف والعيش بكرامة. وإذا لم يتحقق ذلك وتواصل الظلم والقتل وتهجير العرب السنّة كما هو حاصل حتى اللحظة فهذا يعني باختصار ان حكومة العبادي ماضية في إكمال ما بدأه المالكي أي مشروع الحرب الأهلية والتقسيم.
ان مواصلة القصف بالمدفعية الثقيلة والطائرات على الحويجة والفلوجة وتكريت والضلوعية وغيرها، وإطلاق يد الميليشيات الطائفية لتعبث بأرواح الشباب من العرب السنّة في بغداد والبصرة وديالى وشمال بابل وغيرها لا تفسير لها سوى انها سياسة مقصودة ترمي الى توسيع الحضن العربي السنّي المتعاطف مع التيار المتشدد من جهة ودفع المزيد من الشباب اليائس المحبط الى الانضمام الى فصائل مسلحة محسوبة على هذا التيار.
العبادي في وضع لا يحسد عليه. لو مضى على خطى سلفه سيفشل، ولو سعى للنجاح وقرر التغيير فعليه ان يرضي العرب السنّة بشرط ان لا يغضب العرب الشيعة. مهمة ليست سهلة وتنطوي على توازن دقيق لا اعتقد ان العبادي مؤهل له ولهذا سيبقى بحاجة الى آخرين، ومتى عزم على التغيير والإصلاح وبادر فعلاً من دون مزيد من التردد، فإنه سيلقى استجابة طيبة ومساندة من الداخل والخارج. والظرف مؤات ومصلحته الشخصية تقضي ان لا يضيع هذه الفرصة أبداً وقد أضاعها سلفه وفشل.