إكس خبر- رغم كل الزخم الذي تدفع به ايران للدفاع عن النظام السوري، يبقى لبنان الساحة الحيوية لايران. ذلك ان ما تمتلكه الاخيرة في لبنان لا يمكن ان يقارن، من حيث رسوخه وقوته، بما تحوزه في سورية. يمكن لايران ان تخاطب بثقة العرب والغرب بأن وجودها في لبنان يستند الى بنية متماسكة اجتماعيا وسياسيا تمثلها الطائفة الشيعية ولن يشكك العرب والغرب بهذه المقولة. في سورية الامر مختلف. فرغم ما قدمته ايران وتقدمه من دعم بشري وعسكري وسياسي للنظام السوري، الا ان ايران لا تستطيع القول ان لديها في سورية بنية اجتماعية او مذهبية تشكل قاعدة نفوذ راسخة لها كما في لبنان.
من هذا المنطلق يبقى لبنان هو الاهم للسياسة الايرانية، هو قاعدة النفوذ التي تمددت باتجاه سورية، لا العكس، فيما سورية خطّ الامداد السياسي والعسكري. لذا ايران تحامي عن نظام الاسد لادراكها انه الضمانة الوحيدة لبقاء نفوذها بغياب ضمانات يمكن الرهان عليها من بين مكونات الشعب السوري. فالطائفة العلوية ليست ضمانة، وضآلة اعداد الشيعة في سورية لا يمكن ان توفر ايّ ضمانة.
لبنان بهذا المعنى هو البلد الحيوي لايران على شاطىء المتوسط وعلى حدود الكيان الاسرائيلي، فنفوذها من خلال حزب الله اثبت قدرة لايستهان بها على ترجمة هذا النفوذ بالقوة حيناً، وبالسياسة احيانا، بحيث يمكن ملاحظة ان لحزب الله سطوة امنية وعسكرية، اتاحت تطويع السلطة لصالحه الى الحدّ الذي لا يخلّ باهداف ايران الاقليمية او بقاعدة نفوذها في لبنان.
في الحكومة الاخيرة التي لامس زمن ولادتها العام، لم يؤذن بتشكيلها الا بعدما تخلى حزب الله عن شرط الثلث المعطل فيها، وبعد موافقته ايضا على عدم ادراج ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة في البيان الوزاري، من دون ان يعني ذلك بالتأكيد تخلي حزب الله عن مضمون الثلاثية عملياً. اذ بقي سلاح المقاومة منتشرا في طول لبنان وعرضه، وحاضرا في المدن والقرى بعناوين شتى من بينها سرايا المقاومة. كما بقيت عناصره من المقاتلين واعتدته تتنقل بين سورية ولبنان ذهابا وايابا من دون اعتراض الاجهزة الامنية والعسكرية.
ويدرك اللبنانيون عموما ان الصيغة المثالية الملائمة لحماية النفوذ الايراني هي في ابقاء لبنان ساحة ملتبسة بين الدولة واللادولة. اذ لا يمكن لقوة سياسية مهما بلغت من تمثيل شعبي ان تستحوذ على وظائف هي من تعريفات الدولة. فكيف اذا كانت هذه القوة لها سمة طائفية او مذهبية وتقوم بمهمات عسكرية خارج الحدود. لكن استمرار الالتباس يتطلب في المقابل جهدا يحول من جهة دون انهيار الدولة بالكامل ودون اكتمال شروطها.
تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام كان يصب في منع انهيار الدولة بالكامل، خصوصا ان من سهّل تشكيلها كان يدرك اننا مقبلون على فراغ رئاسي. ومحاولة لاستثمار تمثيل تيار المستقبل لامتصاص غضب سني بدأ منذ تدخل حزب الله في الازمة السورية.
ينقل احد السياسيين اللبنانيين عن دبلوماسي فرنسي مكلف بوظيفة الاتصال مع الخارجية الايراني، من خلال زيارة دورية يقوم بها كل ثلاثة اشهر الى طهران، ان الموقف الايراني من تشكيل حكومة الرئيس سلام كان على دوام الازمة جوهره انه لا بد من الاستجابة لمطلب السيد حسن نصرالله اي الثلث المعطل و”الثلاثية”. لكن شيئاً تغيّر في الموقف الايراني قبل تشكيل الحكومة باسابيع. اذ طالب الدبلوماسي الايراني، وهو مساعد وزير الخارجية امير عبد اللهيان، ضيفه الفرنسي بضرورة ان تتحرك فرنسا من اجل تشكيل الحكومة وان ايران ستدعم هذا التحرك مع حلفائها اللبنانيين… وتشكلت الحكومة بعد اسابيع بالشروط المعروفة.
ثمة تفاؤل فرنسي هذه الايام بامكان انتخاب رئيس للجمهورية. ليست هناك وعود ايرانية سمعها الدبلوماسي الفرنسي بتغيير في الموقف الايراني، لكن اشارة انطلاق الحوار الثنائي بين تيار المستقبل وحزب الله هي ايذان بتوفير شروط انجاز الاستحقاق الرئاسي، ودعوة السيد نصرالله تيار المستقبل الى مثل هذا الحوار هي خطوة لتدارك مخاطر الانهيار الذي لا يحبذه حزب الله ولا ايران بطبيعة الحال. خصوصا ان اي حوار يعني بالضرورة ان يقدم حزب الله شيئا، مهما كان بخساً. لاسيما ان تيار المستقبل لم يعد لديه ما يقدمه لحزب الله سوى اعلان الانتساب لحزب الله. فظاهرة الاحتقان السني ليست عملة حريرية هذه الايام، ولا احد يتهم تيار المستقبل بتسليح مقاتلين معادين لحزب الله، علما ان مثل هذه الاتهامات يمكن ان تنسب لحزب الله كما هو حال سرايا المقاومة في صيدا وطرابلس وغيرهما من المناطق ذات الغالبية السنية.
انتخاب رئيس الجمهورية بات ناضجا في الحسابات الايرانية، كما ينسب سياسي لبناني لدبلوماسي فرنسي، مع نفيه وجود اي صفقة بين باريس وطهران. بل هي قراءة فرنسية منقولة مفادها ان ايران بدأت تلمس ان عدم انتخاب الرئيس سيسقط الجمهورية وبالتالي هي ستعمل مع حزب الله وحلفائه لانقاذ الجمهورية… بانتخاب رئيس للجمهورية.
الكاتب: علي الأمين