لمصر مصلحة مؤكدة فى البحث عن حلول تفاوضية تنهى الحرب السعودية ــ الإماراتية على اليمن. لم تتورط مصر عسكريا، غير أنها ابتعدت عن مسرح الأحداث تاركة الشعب اليمنى يسقط ضحية لحرب بالوكالة بين السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى. إزاء آلاف الأرواح التى أزهقتها الحرب، والدمار الرهيب الذى أحاط باليمن وبناه الأساسية،
والكارثة الإنسانية المتمثلة فى خطر المجاعة وتفشى الأمراض الوبائية وانهيار نظم الرعاية الصحية؛ صار لزاما على مصر أن تعمل على إنهاء الحرب بتوظيف علاقاتها التاريخية مع القوى اليمنية ومن خلال التعاون والتنسيق مع البلدان العربية كعُمان والجزائر والأطراف الخارجية كدول الاتحاد الأوروبى التى لم تعد تقبل استمرار العمليات العسكرية إلى ما لا نهاية.
لمصر مصلحة مؤكدة فى حماية لبنان من أن يتحول مجددا إلى ساحة للحروب بالوكالة بين القوى الإقليمية المتصارعة، تحديدا بين السعودية وإسرائيل وإيران.
فالمؤسسة الحاكمة فى السعودية تبدو عازمة على الزج بلبنان كساحة إضافية لصراعها مع إيران الممتد من البحرين والعراق شرقا إلى سوريا وفلسطين غربا ومن اليمن جنوبا إلى أقاليم الأكراد شمالا. فى هذا السياق، جاءت «الاستقالة السعودية» لرئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى من منصبه عبر شاشات القنوات السعودية وببيان ألقى من الرياض. فى هذا السياق أيضا، جاء الإبقاء على الحريرى فى السعودية لعدة أيام على نحو أثار الجدل بشأن حقيقة وضعه وهل هو «محتجز» رغما عنه أم باق بإرادته الحرة. تنظر المؤسسة الحاكمة فى السعودية إلى لبنان،
فترى حزب الله، حليف إيران القوى وصاحب الدور السياسى المحورى فى الداخل وصاحب الدور العسكرى المؤثر فى الحرب الأهلية بسوريا، وتطلب من حلفائها اللبنانيين وفى مقدمتهم «السنية السياسية» التى تقودها عائلة الحريرى وتيار المستقبل ومعهم بعض الأطراف المسيحية عزل حزب الله والامتناع عن التعاون معه على الرغم من تمثيله بالحكومة اللبنانية. وتقرع أصوات محسوبة على الحكم السعودى طبول «ضربة عسكرية» قادمة لا محالة ضد حزب الله، وتصفية ضرورية للآلة العسكرية للحزب التى تشكل ذراعا لإيران فى لبنان وسوريا وتتهم بالتورط فى اليمن والبحرين.
***
هنا تأتى حكومة اليمين الإسرائيلى على الخط، فهى تقارب إيران بحسبانها مصدر التهديد الرئيسى على أمن إسرائيل وموطن الخطر الأكبر على مصالحها الإقليمية. تعارض حكومة بنيامين نتنياهو الاتفاق النووى بين الدول الكبرى (٥+١) وإيران، وتطرح باستمرار إمكانية توجيه ضربة عسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. ومع أن الحكومة الإسرائيلية لم تتورط بكثافة فى الحرب الأهلية فى سوريا، إلا أنها غير راضية عن تصاعد النفوذ الإيرانى والدور العسكرى المباشر لحزب الله الذى يرفع تسليحه وخبراته الميدانية إلى مستويات غير مسبوقة.
ثم أن نتنياهو يعزف على نفس أوتار «الخطر الإيرانى» فى الشرق الأوسط التى تصدر عن السعودية والإمارات لكون «التناغم فى العزف» يشكل مدخلا جيدا للتقارب بين إسرائيل وبين الدولتين الخليجيتين، شأنه شأن الحرب على الإرهاب واحتواء حماس والدعم (العلنى هنا والسرى هناك) للتطلعات الكردية للاستقلال ليس حبا فى حق الشعب الكردى فى تقرير المصير بل رغبة فى إضعاف العراق والضغط على إيران وإزعاج تركيا.
***
أما إيران، وهى ليست حمل الشرق الأوسط الوديع، فتعرف جيدا كيف توظف أوراقها الإقليمية للحفاظ على مصالحها وتثبيت نظرة القوى الكبرى إليها كالطرف الشرق الأوسطى الأهم. تحضر إيران فى العراق وسوريا ولبنان، وفى اليمن، ولها امتدادات مؤثرة فى البحرين، ولها علاقات قوية مع حركة حماس فى فلسطين.
اتساقا مع المصالح الإيرانية، يحارب حزب الله فى سوريا غير معنى بكونه يزج بلبنان وبالحكومة اللبنانية التى يشارك بها إلى أتون صراع دموى بين الديكتاتور وبين الجماعات الإرهابية كان من الحكمة الابتعاد عنه. لا يتوقف حزب الله طويلا عند الأضرار والأخطار التى ترتبها حربه فى سوريا فى الداخل اللبنانى، ناهيك عن تورطه فى حمامات الدم السورية على نحو نزع عنه دون رجعة هوية حركة المقاومة المعنية فقط بمواجهة إسرائيل. لا يتوقف حزب الله عند ذلك طويلا، لأن السيد الإيرانى لا يعنيه غير توظيف أوراقه للحفاظ على مصالحه وليذهب لبنان إلى الجحيم.
***
إزاء اندفاع المؤسسة الحاكمة فى السعودية باتجاه التصعيد ضد إيران فى لبنان، وهرولة الحكومة الإسرائيلية باتجاه ضربة عسكرية ضد حزب الله تحد من قدراته وتقلم بعض أظافر إيران، وتوظيف إيران لحزب الله فى لبنان وسوريا لحماية مصالحها؛ ينبغى على مصر العمل على تجنيب لبنان الاقتراب من حافة الهاوية التى تصنعها السياسات السعودية والإسرائيلية والإيرانية. هنا أيضا، ستجد مصر بعض الشركاء الإقليميين كالجزائر والمغرب وبعض الشركاء الدوليين كفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا واليونان (وبدرجات أقل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين) الراغبين فى التحرك لحماية لبنان وإبعاده عن أخطار الصراعات الداخلية والحروب بالوكالة.
ولم تكن زيارة سعد الحريرى لباريس ثم القاهرة بعد «مغادرته» للسعودية وقبل عودته إلى لبنان سوى الدليل الأوضح على احتياج الحكومة اللبنانية لحلفاء يساعدونها على الابتعاد عن حافة الهاوية، مثلما لم يكن بتعليق الحريرى «للاستقالة السعودية» غير تقديم للمصلحة الوطنية اللبنانية على علاقات التحالف مع «السادة الإقليميين» فى الرياض وشاهد تمرد على أوامر السادة مارسه الوكيل الإقليمى الذى تجسده السنية السياسية وعائلة الحريرى.
لمصر مصلحة مؤكدة أن يتراجع منسوب الصراع والعنف والحروب الأهلية والحروب بالوكالة فى الشرق الأوسط، لكى تلتفت هى دولة ومجتمع ومواطنون إلى منسوب مياه النيل الذى يتهدده سد النهضة الإثيوبى بنقصان كارثى.