اكس خبر- بعد نحو شهرين ونيف على عملية القدس النوعية بتفجير عبوة ناسفة، والتي أسفرت عن جرح العشرات من المستوطنين الصهاينة، جاءت العملية الفدائية الأسبوع الماضي في قلب تل أبيب، أي في العمق الصهيوني، والتي أدت إلى قتل أربعة مستوطنين وجرح خمسة آخرين، لتؤكد مجدداً ليس فقط استمرار الانتفاضة والمقاومة، وسقوط كل الرهانات على توقفها أو تراجعها، بل وأيضاً لتؤشر إلى أن الانتفاضة ترتقي بأدائها الكفاحي تدريجياً من استخدام الطعن بالسكين والدهس بالسيارات إلى استخدام السلاح الحربي في تنفيذ الهجمات الفدائية ونجاح المقاومين في الانتقال والتخفي وتجاوز كل الحواجز الأمنية الإسرائيلية، والوصول إلى هدفهم وتنفيذ عمليتهم.
ومن الطبيعي أن تتطور الانتفاضة وترتقي بأدائها للرد على الهجوم الاستيطاني المتواصل في القدس المحتلة، وكذلك للرد على القمع الإرهاب والتمييز العنصري الذي يمارسه الاحتلال والاستيلاء على أراضي المواطنين الفلسطينيين وكذلك رداً على اعتداءات المستوطنين الذين نظموا في ذكرى اغتصاب فلسطين تظاهرة استفزازية عنصرية في القدس القديمة بحماية قوات الاحتلال وصولاً إلى حائط البراق وإقدامهم على تدنيس باحات المسجد الأقصى على نحو مستمر.
وبهذا المعنى فان عملية تل أبيب حملت بعدين:
البعد الأول: عسكري ويتمثل في قدرة مقاومين من الانتقال من الخليل في الضفة الغربية إلى تل أبيب والوصول إلى منطقة حساسة فيها قريبة من وزارة الدفاع الإسرائيلية، مما أدى إلى إحداث هزة جديدة اصابت بالصميم منظومة أمن كيان العدو الصهيوني وقيادات أجهزته الأمنية التي فوجئت بالعملية وعدم قدرة إجراءاتها الاحترازية على منعها وإخفاق استخباراتها في الحصول على إنذار مبكر عن التخطيط لعملية من هذا النوع، مما يؤشر إلى أن المقاومين قد تلقيا تدريباً على تنفيذ عمليتهما النوعية، وأن ذلك خضع لسرية كاملة حالت دون قدرة أجهزة أمن الاحتلال والسلطة الفلسطينية على اكتشاف الجهات التي تخطط لمثل هكذا عمليات.
البعد الثاني: إن الانتفاضة الشعبية والمسلحة تمت وتتم بقرار مستقل تماماً عن الواقع الرسمي والفصائلي الفلسطيني القائم والمعروف، وأن هذه الانتفاضة تمكنت في غضون أشهر قليلة وفي ظل الرقابة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية من إحداث نقلة في عملياتها، حيث لا يعقل ولا يمكن لانتفاضة وعمليات من هذا النوع أن تكون فقط مجرد أعمال فردية غير منظمة، قد تكون بدأت عفوية وغير منظمة لكنها سرعان ما تبلور اطار تنظيمي جديد فرضه الواقع الرسمي الفلسطيني العاجز عن تجديد حركة النضال الوطني الفلسطيني، وكذلك العسف المتمادي للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
وبهذا المعنى فان هذا البعد السياسي للانتفاضة مهم جداً وهو الذي يخيف الاحتلال ويربك أجهزته ويتسبب له بمأزق حقيقي، فهو قلق من أن يتطور هذا الوضع وينتقل زمام المبادرة بالكامل إلى حركة وطنية فلسطينية ثورية استفادت من كل التجارب الماضية في مواجهة الاحتلال ونجحت في بناء تنظيم مقاوم بعيداً عن أعين العدو والسلطة الفلسطينية، وحتى عن أعين فصائل المقاومة المعروفة والخاضعة للرقابة الأمنية لاسيما في الضفة الغربية.
وهذان البعدان العسكري والسياسي اللذان تتسم بهما الانتفاضة الثالثة، هما ما دفع المعلقين والمحللين ووسائل الاعلام الإسرائيلية إلى التركيز على ثلاثة أمور تصب في خانة البعدين المذكورين:
1 ـ «إن عملية أطلاق النار في قلب منطقة الترفيه الصاخب في تل أبيب هي ضربة كان يفترض ألا تقع ولكنها وقعت وذكرتنا بان الشائعات عن انطفاء الانتفاضة الحالية كانت سابقة لأوانها، فالبندقية المصنوعة محلياً حلت محل سكين المطبخ، لابسوا البدلات حلوا محل فتيان المدارس».
2 ـ «إن العملية هذه المرة تبدو أكثر طموحاً وتخطيطاً مما شهدناه في الشهور الماضية، مقاومان عملا بتنسيق واختارا هدفا داخل الخط الأخضر وارتديا بزات وربطات عنق كي لايثيرا الشبهات».
3 ـ «هناك اشارت يمكنها أن تعزز الافتراض بان الحادث يشبه حوادث سابقة، وهذا الافتراض يستند إلى اعتقال المنفذين المعروف انهما بلا سوابق أمنية، والى ضبط السلاح المستخدم، والى شهادات المارة وقرائن ميدانية»
ولهذا هناك خوف إسرائيلي من «أن تجلب عملية تل أبيب خلفها موجة من المقلدين الراغبين في تنفيذ عمليات مشابهة».
الكاتب: حسين عطوي