إكس خبر- مشهدية ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي على يد أحد جلادي «داعش» تجاوزت برمزيتها شخص الضحية، إلى جملة من المفاهيم والشعارات الكاذبة، التي كانت دولته، زعيمة النظام العالمي، والقوة الأعظم في الزمن الحالي، تتغنى بها على مدى عقود، وتبيّن أنها مجرّد كلمات ومصطلحات فارغة من أي مضمون حقيقي، ولا علاقة لها بأي التزام جدّي في السياسات الأميركية المتعاقبة، وخاصة في عهد الإدارة الأوبامية الراهنة!
هذه المشهدية البربرية لم تشكّل إدانة دامغة لفاعليها فقط، سواء أكانوا تنظيماً أم أفراداً، بقدر ما حملت إدانة نكراء، للدولة «الأعظم والأقوى» في العالم، التي تخلت قيادتها الحالية عن مبادئ وقيم مؤسسيها، في رفع رايات الحرية والديمقراطية، وتوفير أسس المساواة والعدالة بين بني البشر، والحفاظ على الكرامة الإنسانية، ووضع النواة الأولى للتشريع الدولي لحقوق الإنسان.
كل تلك القيم والمبادئ السامية، سقطت في بحيرات النفط، وفي مستنقعات المصالح الاقتصادية والمالية، في عهد الرئيس الحالي، الذي جعل من «التغيير» محور حملاته الانتخابية، فكان أن قاد التغيير لتعطيل دور بلاده في الحفاظ على الأمن والسلام في العالم، ولانتهاج أسوأ السياسات الأميركية ضياعاً وتردداً، بل وتخبطاً، في مرحلة عاصفة بشتى الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، بدءاً بتداعيات ثورات الربيع العربي، وبروز التيارات والتنظيمات المتطرّفة والإرهابية في الإقليم، وصولاً إلى أزمة أوكرانيا التي تزداد تعقيداً مع عودة الدبّ الروسي إلى الساحة الدولية، إلى جانب الأزمات المشتعلة في أكثر من بلد إفريقي، وظهور الأحزاب الدينية في شرق آسيا، وبعض دول بلاد ما بين النهرين، على التخوم التركية والروسية.
* * *
لقد أدّت سياسات المماطلة واللامبالاة، التي انتهجتها العواصم الغربية، وخاصة واشنطن تجاه الأزمة السورية إلى إطالة أمد الحرب العبثية والمدمرة لكل مقومات الحياة في المجتمع السوري، وأفسحت المجال لبروز التيارات المتطرّفة، التي سرعان ما حوّلت معركتها ضد قوى الاعتدال، والعاملة على الحفاظ على النسيج السوري، بتنوعه الوطني، وألوانه الطائفية المختلفة، فكان أن اكتسحت «داعش» وأخواتها المناطق والمدن والساحات، وسيطرت في ظروف ملتبسة على ثلث مساحة العراق، وألغت الحدود السياسية بين البلدين، ووضعت يدها على جزء مهم من الثروة النفطية في سوريا والعراق، في أجواء من المباغتة والتحرّك السريع، أثارت الكثير من علامات الاستفهام، حول ظروف تكوّن هذه «القوة الخارقة» في بضعة أشهر فقط، وبغفلة عن الأقمار الأميركية والأجهزة الاستخباراتية التي ترصد تحرّكات قادة العالم في مخادعهم!
* * *
لسنا من هواة نظرية المؤامرة، ولكن بعض السيناريوهات يُشير إلى «تواطؤ خارجي» مع داعش، ساعد على تحقيق هذا الانتشار الواسع والسريع فجأة، في إطار ما يُخطط له من خرائط سياسية جديدة، تُنهي مرحلة سايكس – بيكو، وتعيد إدخال المنطقة بكاملها في دوّامة التقسيمات لدويلات طائفية ومذهبية وعنصرية، متنافرة ومتصارعة، وتتيح الحروب الدائمة بينها، وضع اليد الأميركية على مقدرات المنطقة، وتعطي الدولة الإسرائيلية، فسحة أمل جديدة، بإمكانية البقاء، بعد انشغال المحيط العربي عنها بحروبه الداخلية.
طبعاً، مثل هذه المخططات ليست قدراً، ولا يمكن اعتبارها أمراً واقعاً لا محالة، ولكن التصدّي لها، والعمل على إحباطها يتطلب رؤية عربية واضحة، وتحركاً سريعاً من عواصم القرار العربية والإسلامية المعنية، والمتضررة من مثل هذه المشاريع المشبوهة، باتجاه وضع خطط ديناميكية، تستطيع أولاً إطفاء الحرائق المشتعلة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن والبحرين، ثم الانصراف إلى معالجة جدّية لملف الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي، بما يؤدي إلى اعتماد معايير واضحة للمواطنية التي يجب أن تتقدّم على أي انتماء ديني أو قومي، وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد.
لم يعد سراً، أن الأيدي الغريبة، الإقليمية والدولية، التي تتلاعب بأمننا القومي، وبجبهاتنا الوطنية، استطاعت أن تنفذ إلى داخل أوطاننا، من خلال هذه الثغرات التي تعتري علاقة الأقليات بالأنظمة السياسية السائدة، والتي كانت في مقدمة الأسباب للترويج لما يُعرف حالياً بـ «تحالف الأقليات».
* * *
لا بدّ من الاعتراف بأن الخلافات العربية – العربية، قد أدّت إلى تفكيك النظام القومي العربي، الذي ارتكز في مرحلة ما على المثلث الذهبي: القاهرة – دمشق والرياض، وشجعت أطرافاً إقليمية، مثل إيران وتركيا، على التمدد داخل الجسم العربي، كما ساهمت بشكل أو بآخر، بظهور التيارات والتنظيمات الدينية المتطرفة، التي خطفت الإسلام، كدين تسامح واعتدال، وراحت ترتكب أبشع المجازر وأنكر الممارسات باسم الإسلام، والدين الحنيف منها براء.
ولعل الاجتماع الذي عُقد أمس في الرياض للبحث في وسائل إطفاء النيران العربية المشتعلة في أكثر من بلد عربي، يكون «الصحوة العربية» المنشودة لإنقاذ الأمة، والمنطقة بأسرها، من متاهات التطرف والتكفير والإرهاب، وتكون بديلاً عن التخاذل الأميركي والغربي!