مقال محمد الوظائفي – عزيزنا القارئ: إذا كان فصل الربيع يكسو الأرض نضارة النبات ويورق فيه السليب من الشجيرات فإن شهر رمضان يحيي موات النفوس، إذ يهتف بها إلى داعي الله سبحانه وتعالى، ويحفزها إلى عمل الخير، ويذكرها بما في الإسلام الحنيف من رحم وتواصل وإخلاص وتفاضـل.
• شهر رمضان ضيف كريم من ضيوف الإسلام المحبوبين يراوحنا ويغادينا كل عام؛ ليرى موضع الأمانة المحمدية من حياتنا، ويجدد عناصر الحق والإيمان في نفوسنا؛ لأنه يذكّـر بالعزة ويرمز إلى الطهر والقوة فقد تجمعت فيه أقدس ذكريات الإسلام الخالدات.
• وقد أنزل الله سبحانه وتعالى في رمضان القرآن الكريم، فاتصلت السماء بالأرض وفتحت القلوب على معرفة الحق، فوعت المبادئ الكريمة التي أخرجت من جوف الصحراء خير أمة وأقوى شعب غيّـر مجرى الحياة من فوضى هدامة إلى نظام بنّاء، ومن همجية طاحنة إلى مدنيـة فاضلة، وفي رمضان أراد الله سبحانه لكلمته أن تعلو ولنوره أن يتم حين التقى الجمعان في غزوة بــدر أولى معارك الإسلام، فانتصرت القلة المؤمنة الصابرة على الكثرة المشركة الضالة، فمكّـن الله لدينه الذي ارتضاه أن يغزو العالم بسلطان العدل والرحمة ويفتح القلوب بنور العلم واليقين!
• وفي أيام رمضان المباركة أتم الله سبحانه نعمته بفتح مكة، فتوطدت دعائم الحق واستقرت شريعة الإسلام، وسرى هديها في الوجود، فحولته من مجاري الشر والشقاء إلى سبل الخير والسعادة، وفي رمضان ليلة مباركة خلد الله تعالى ذكرها في قرآن منـزّل وآيات ترتل، تلك هي ليلة القـدر التي هي خير من ألف شهر! ومن أجل هذا قدّس الله أيام رمضان ففرض على الناس فيه عبادة خالصة لا يعبد بها أحد سواه، شرع صيام أيامه وكأنما أراد سبحانه وتعالى أن يجعل للأرواح ربيعاً كما جعل للطبيعة ربيعاً، فكان رمضان ربيع الأرواح تزدهر بصومه البواعث الإنسانية العليا التي تدفع البشر دفعاً إلى السمو وتعرج بهم إلى الكمال، وتحقق للناس حياة طيبة راقية، صافية طاهرة، صادقة مستقيمة، تتجه إلى البرّ والتكافل والتعاطــف!
• وإذا كان الناس قد عرفوا الصوم إمساكاً عن الملذات البدنية من طعام وشراب ونحوهما، فإنما هو أسمى من ذلك وأعمق! رمضان في حقيقته تطهير للنفس وتهذيب للروح، هو سلاح يقاوم به الصائم كل رذيلة ويوجهه إلى كل فضيلة. تتجمع أسراره وآثاره في الحكمة التي من أجلها شــرّع والتي ضمنها الله سبحانه قوله “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، وأشار إليها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في حديثه الشريف “الصيام جنّـة فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يجهل فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم”!
• وأقوى أثر للصوم تنمية خلق الصبر في النفوس، والصبر نصف الإيمان، ومن نتائجه البـر بالمحتاجين وبذل المال لإسعاد البائسين وحسن المعاشرة للجماعة الإنسانية، وكل إنسان يبغي حياة هانئة في حاجة إلى الصبر، فالتلميذ محتاج إلى الصبر على الدرس والتثقيف، والمعلم محتاج إلى الصبر حتى يفهم التلميذ، والموظف محتاج إلى الصبر على أداء عمله في خدمة المجتمع، والتاجر محتاج إلى الصبر على أخلاق من يعاملهم من البشر، والجندي محتاج إلى الصبر على إعداد نفسه فداء لوطنه، وكل فرد محتاج إلى الصبر على معاشرة من يخالطهم من الأصدقاء وغيرهم، والصوم كفيل بذلك فهو معين الصبر!
• فهذا إذاً رمضان وأمجاده، وهذا صيامه وآثاره، فأهلاً بشهر رمضان شهر الخير والعبادة وتطهير النفوس، نتزود فيه من عناصر الإيمان والقوة بما يحفز الهمـم، ويحث الخطى نحو غد مشرق تتحقق لنا فيه حياة حرة كريمة قوامها الصدق، والعمل المثمر، ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا الشهر الكريم رسول خير للإسلام وأمة الإسلام فتتوحد كلمتهم ويستعيدوا مجدهم وقوتهم وهيبتهم.