شهدت مدينة درعا جنوبي سوريا أمس الجمعة يوما داميا تضاربت فيه المعلومات بشأن
عدد القتلى، كما جرت مظاهرات مماثلة في مدن سورية أخرى عقب صلاة الجمعة سماها المحتجون جمعة الصمود. يأتي ذلك في وقت أدان فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما بشدة ما سماه “العنف البغيض” الذي استخدمته قوات الأمن السورية ضد المتظاهرين.
وأعلن رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان عمار قربي لوكالة الصحافة الفرنسية إن 24 شخصا لقوا حتفهم الجمعة خلال مظاهرات احتجاجية في درعا وحمص وحرستا بريف دمشق، موضحا أن 19 شخصا لقوا حتفهم أثناء المظاهرات في درعا وقدم لائحة بأسماء القتلى.
كما أصدرت ثلاث منظمات حقوقية سورية بيانا أشارت فيه إلى “سقوط عشرات الشهداء
والجرحى” في درعا الجمعة، موردة أسماء 19 قتيلا. وقد أحرق المتظاهرون مقر شعبة حزب البعث في درعا بعد سقوط القتلى، بحسب أحد الناشطين الحقوقيين.
وأكد حقوقيون وشهود عيان أن جميع القتلى من المدنيين من سكان درعا أو من أبناء القرى المجاورة الذين قدموا إلى المدينة تعبيرا عن دعمهم لها.
إلا أن مصدرا مسؤولا في وزارة الداخلية السورية أعلن الجمعة مقتل 19 عنصرا وجرح 75 آخرين من قوات الشرطة والأمن إثر إطلاق “مجموعات مسلحة” النار عليهم، حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
وعرض التلفزيون السوري الرسمي في “بث حي” من وصفهم بأنهم مخربون ومندسون يطلقون النار على المدنيين وعلى قوات حفظ النظام في درعا.
وطالبت الحكومة السورية بفتح تحقيق فوري وشفاف في ملابسات ما وصفتها بهذه الجريمة النكراء
وتقديم القتلة المتورطين فيها والمسؤولين عنها إلى القضاء المختص في محاكمة علنية أمام أنظار الشعب السوري.
وأكدت السلطات السورية تصميمها على التصدي للمجموعات المسلحة التي تطلق النار
من دون تمييز على المتظاهرين وقوات الأمن، بحسب بيان نشرته وزارة الداخلية السورية الليلة الماضية.
وقالت منظمة العفو الدولية إن 171 شخصاً على الأقل يُعتقد أنهم قتلوا في الأسابيع الثلاثة من الاضطرابات التي تشهدها سوريا.
وأضافت المنظمة أن الآلاف من السوريين العزل تجمعوا الجمعة في مختلف أنحاء البلاد للمطالبة بالمزيد من الحريات، وتردد أن قوات الأمن هاجمتهم بالذخيرة الحية.
وعن الوضع في درعا اليوم، قال الكاتب الصحفي حسين العودات للجزيرة إن التوتر يسود أحياء المدينة بعد المجزرة التي شهدتها أمس مع إطلاق قوات الأمن والجيش النار بشكل عشوائي على المواطنين، ونفى ما رددته السلطات السورية من وجود مندسين يطلقون النار، ووصف ذلك بأنه عار عن الصحة.
كما شهد يوم أمس مظاهرات مماثلة في العديد من المدن السورية خصوصا في شمالي شرقي البلاد وفي حمص واللاذقية وريف دمشق.
ففي حمص شمال دمشق، أفادت وكالة الأنباء السورية أن المئات جرحوا في بعض أحياء المدينة، كما أحرقت مجموعة منهم سيارات للشرطة وأطلقت النار على عناصر الشرطة وقوى الأمن فيما قام ملثمون على دراجات نارية بإطلاق النار بشكل عشوائي على المواطنين، مما أدى إلى وقوع إصابات.
بالمقابل أعلن قربي أن “قتيلين سقطا برصاص قوات الأمن في مدينة حمص إثر المظاهرات التي انطلقت من مسجد حمص الكبير”.
وفي شمالي شرقي البلاد، ذكر رئيس اللجنة الكردية لحقوق الإنسان رديف مصطفى أن أكثر من ثلاثة آلاف شخص شاركوا الجمعة في مظاهرة في مدينة القامشلي انطلقت من جامع قاسمو قبل أن يعتصم المتظاهرون في دوار الهلالية، مضيفا أن مطالب المتظاهرين تضمنت إطلاق سراح المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ والتأكيد على الوحدة الوطنية.
وأضاف مصطفى أن “ألفي شخص تظاهروا في ناحية عامودا وناحية الدرباسية التابعتين للحسكة” التي يغلب على سكانها الأكراد، مشيرا إلى أن “المظاهرة التي انطلقت من الجامع الكبير في الحسكة شارك فيها نحو ثلاثمائة شخص”.
من جهته قال الناشط الحقوقي حسن برو إن “المئات خرجوا من رأس العين (80 كلم شمال الحسكة) من جامع الأسد باتجاه شرقي المدينة هاتفين بالروح بالدم نفديك يا درعا” و”واحد واحد الشعب السوري واحد” و”الجنسية لا تعني الحرية”.
وأكد برو أن “المتظاهرين في الدرباسية (80 كلم شمال الحسكة) وقفوا دقيقة صمت على أرواح شهداء اللاذقية ودرعا”.
وتأتي هذه المظاهرات بعد إصدار الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما يقضي “بمنح المسجلين في سجلات أجانب الحسكة الجنسية السورية”، في إشارة إلى الأكراد في شمالي شرقي سوريا.
وتعليقا على ذلك قال العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردي حسن كمال لرويترز إن ما سماها لفتة المواطنة لم تؤد إلا إلى إشعال الشارع لأن القضية الكردية قضية ديمقراطية وحرية وهوية ثقافية.
وفي ريف دمشق، قتلت “الأجهزة الأمنية والمليشيات التابعة لها ثلاثة أشخاص من الذين شاركوا في مظاهرة جرت بعد صلاة الجمعة في حرستا” القريبة من دمشق، بحسب قربي.
كما شهدت منطقة دوما بريف دمشق “تجمعا لآلاف المواطنين الذين هتفوا للحرية والشهيد وانفض معظمهم بعد أقل من ساعتين” بحسب وكالة الأنباء السورية.
وأضافت الوكالة أن المئات من المواطنين تجمعوا في اللاذقية والقامشلي وبانياس مطالبين بتسريع وتيرة الإصلاحات وتعزيز مناخ الحرية ومكافحة الفساد، بالإضافة لبعض المطالب الخدمية المحلية.
كما خرج آلاف المتظاهرين في مدينة بانياس الساحلية ونحو ألف شخص في مدينة التل شمال دمشق تضامنا مع “شهداء اللاذقية ودرعا ودوما”، بحسب رئيس الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي.
وكانت صفحة باسم “الثورة السورية” على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي دعت الى التظاهر الجمعة في ما أسمته “يوم الصمود”، مؤكدة “سنهتف رغم جراحنا ونقول سلمية سلمية حتى نيل الحرية”.
وفي رد فعل بارز، أدان الرئيس الأميركي بشدة أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن في سوريا كما أدان استخدام المتظاهرين للعنف.
وقال أوباما في بيان إنه يدين بقوة العنف البغيض الذي ارتكبته الحكومة السورية الجمعة وخلال الأسابيع القليلة الماضية ضد محتجين سلميين، ودعا السلطات السورية إلى الامتناع عن أي استخدام آخر للعنف ضد المحتجين السلميين.
وطالب الرئيس الأميركي بوقف ما تحدثت عنه الأنباء من اعتقالات تعسفية واحتجاز وتعذيب السجناء فورا، كما طالب بالسماح بتدفق المعلومات بشكل حر حتى يمكن أن يكون هناك تحقق مستقل من الأحداث على الأرض.
وقال إن الشعب الأميركي سمع صوت الشعب السوري الذي أظهر شجاعة كبيرة وكرامة ويستحق حكومة تستجيب لمطالبه، مشيراً إلى أن السوريين يطالبون بحريات يجب أن يتمتع بها الجميع حول العالم ولا سيما حرية التعبير والتجمع السلمي والثقة بحكم القانون والتساوي أمام العدالة وحكومة شفافة خالية من الفساد، مشددا على أن تلك الحقوق عالمية ويجب احترامها في سوريا.
وأكد أوباما أن الحكومة السورية لم تلب حتى الآن الطموحات الشرعية للشعب السوري، مشيرا إلى أن الوقت قد حان لتتوقف الحكومة السورية عن قمع مواطنيها وأن تستمع إلى أصوات الشعب السوري الذي يطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية جدية.