عندليب دندش اي نيوز – صحيح أن الاحصاءات الرسمية لقوى الأمن الداخلي أكدت انتحار 100 شخص في لبنان في الشهور الخمسة الأولى من العام 2018، إلا أن الأخطر في القضية أن واحداً من كل 3 لبنانيين يفكر ولو لمرة واحدة على الاقل في حياته بالانتحار، بحسب ما كشف الباحث في علم النفس السياسي والديني الدكتور أحمد عياش لموقع “إي نيوز”.
فأرقام المنتحرين أو ممن يحاولون الانتحار كبيرة وتدق ناقوس الخطر في بلد صغير تجاوزت حالات الانتحار فيه الـ1193 حالة في الفترة الممتدة فقط من عام 2009 حتى 2017.
فما هي أبرز الأسباب التي تدفع السكان في لبنان إلى الانتحار؟
الدكتور أحمد عياش وفي حديثه لـ”إي نيوز” يُجيب بأن الانتحار حالة طارئة في الطب النفسي ينتج عن اضطرابات نفسية متعددة ذاتية، او تكون انعكاسا لحالات عائلية، عاطفية، اقتصادية، مهنية، وحتى سياسية وغيرها من الاسباب التي تدفع الشخص الى التخلص من حياته عبر إطلاق النار أو الشنق أو رمي نفسه من طبقة عالية، او تجرع السم.
الأمراض النفسية الأكثر شيوعيا في لبنان
يؤكد د.عياش أن أكثر الامراض الشائعة في لبنان هي الحالات العصابية وفي مقدمتها القلق وحالات الاكتآب ومن أولى اسبابها الضغوطات المادية والاجتماعية. أما أكثر العوامل المسببة للامراض النفسية، فهي البيئة العائلية وآثار الطفولة والصدمات النفسية المتكررة واختلاف نمط العيش والضائقة الاقتصادية والتعقيدات الإجتماعية والموروث الاجتماعي والجينات وتكوين الجهاز العصبي وقلة الحصانة النفسية.
“الرديف الانتحاري” يجتاح لبنان
رغم أن الانتحار لم يستطع أن يجتاح المجتمع اللبناني بقوة على غرار بعض البلدان مثل جمهورية غيانا في أميركا الجنوبية التي تشهد أكبر نسبة إنتحار في العالم، واليابان التي تليها من حيث معدل الانتحار، إلا أن “الرديف الانتحاري” ينتشر بقوة في أعماق سكان لبنان من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وافارقة وآسيويين وغيرهم بحسب الدكتور عياش، وفيه يعبّر المرء عن غياب رغبة الموت، إنما نجد في سلوكه تصرفا تدميريا للذات، وتُترجم هذه الحالة النفسية بالحوادث العنفية المنتشرة في مختلف المناطق وببعض السلوكيات السلبية.
د.عياش يقول إن المرء يتصرف في هذه الحالة وكأنّ الموت لن يصيبه أو لا يعنيه إنما الموت يحصل لغيره لاعتقاده بحسن سيطرته على أدائه، لكن في الواقع يسلك طريقا إحتمال الموت فيه مرتفع جدا كقيادة السيارات بسرعة فائقة، فبالرغم من التحذيرات والمراقبة والاحتياطات والتعليمات المحذرة من الموت نجده يقود السيارة باسلوب جنوني ما يعني أنه يلعب مع قدره وليس لانه يريد في وعيه أن يموت بل يريد أن يمارس حماسه وتدهوره وطقوسه ليحيا لذّات الحياة على طريقته فتأتي النتيجة سلبية ليس على حساب عمره فقط بل على حساب حياة الآخرين.
ويشير د.عياش إلى أن أغلب هؤلاء الذين يعيشون “الرديف الانتحاري” هم الشخصيات اللاإجتماعية، المتمردة، غير المتزنة.
“عار الانتحار” يخلق “الرديف الانتحاري”
الباحث في العلم النفسي والديني يسوق مثلا عن الوفيات التي تنتج جراء التقاتل في الشارع فيوضح أن الجبن الوجودي والخوف الديني- الاجتماعي من عار الانتحار يدفع البعض لسلوك مدخل خاص لعالم الرديف الانتحاري عبر قتل الذات على يد قاتل آخر غير الأنا، وهؤلاء عادة ما يرمون انفسهم امام القطار او الباص او المترو او ينخرطون في قتال كمقاتلين تاركين القناص ليستهدفهم بسهولة او يستفزون آخراً ليتعرضون للقتل في الشارع او ما شابه ذلك.
لبنان يعيش تحت سيطرة شخصيات مضطربة
ارتفاع عدد قتلى حوادث السير في لبنان بالإضافة إلى قتل رجل وانتزاع قلبه في لبنان بحجة شتم “الذات الإلهية” في الشمال، ناهيك عن مشاهد العنف والتقاتل بالسكاكين التي شهدناها في برج حمود في الصيف الماضي كلها تؤكد بحسب د.عياش أن الجميع ضحية شخصيات مضطربة ومريضة تسلك خطاً رديفاً للانتحار في الشارع وخطا رديفاً للانتحار في الاقتصاد والسياسة والدين، مشدداً على أن أقسى ما يمكن أن يصل إليه شعب في زمانه هو ان يسلك دوماً طريق الرديف الانتحاري وهو يعتقد انه يحقق انجازات وهمية. وشدد على أن الناس اليوم تعيش تحت سيطرة شخصيات مضطربة ومريضة لن تأخذ بها الا لحروب تدميرية أهلية كسلوك ذاتي للتدمير، ولو أن لا نيّة لديها او لا رغبة لها في الموت او الحرب او الفقر او الدمار.
كيف يتفاعل اللبنانيين مع فكرة زيارة الطبيب النفسي؟
يرتبط بذهن الكثيرين بأن المرض النفسي “عيبا” يجب التكتم عليه بعيدا عن العلاج، مع العلم أن الكثير من حالات الانتحار كان يمكن تفاديها لو تم علاج أصحابها نفسياً. الاحصائيات بحسب جمعية «Embrace» لدعم ونشر الوعي حول الصحة النفسية في لبنان، تؤكد بأن واحدا من كل أربعة أشخاص يعاني أو سيعاني من مرض نفسي في مرحلة من حياته، ومن هنا يُصبح العلاج أمر ضروري بعيدا عن المعتقدات الملتصقة بالمريض النفسي من أنه مجنون أو غير طبيعي.
بقعة ضوء في وسط الظلام تلمع لتكسر بعض هذه المفاهيم وتغير نظرة الكثير من اللبنانيين للطب النفسي، إذ تبدّلت النظرة كثيرا بحسب ما أكد د.عياش في حديثه لـ”إي نيوز” وأشار إلى أن تقدم الإعلام وأجهزة التواصل وارتفاع مستوى وعي الناس وارتفاع أعداد المتعلمين ساهمت في تبديل هذه النظرة السلبية وشهد الواقع اللبناني في العشرين سنة الأخيرة متغيرات كثيرة صبت لصالح الطب النفسي ومن أهمها التقدم في وسائل العلاج والادوية عما سبق.
معلومات وأرقام
أظهرت بعض الدراسات التي أجريت أن 16% من الطلاب في الصفين السابع والتاسع في لبنان فكروا جديا بالانتحار، وتتحدث بعض الجهات عن الفارق الكبير بين عدد حالات الانتحار المكتملة في لبنان المُعلن عنها وبين معدلات الانتحار الفعلي إذ أن المحرمات الدينية والقانونية والاجتماعية السائدة تؤدي في أغلب الأحيان إلى إخفاء الوفيات الناتجة عن الانتحار.
يُشار أيضا إلى عدم وجود مرض نفسي يدعى “الجنون” في الطب النفسي واستخدام هذا المصطلح إجتماعيا يحطم المريض النفسي ويجعله يهرب من فكرة العلاج عند الطبيب او الاخصائي النفسي حتى لا يوصم بالجنون.