ابراهيم درويش – لا اعلم ان كان مقالي الخاص اليوم خاصاً أم عاماً… لكني اعتقد ان الخاص عندما يتكرر ويتخطى حالته الفردية يصبح عاماً ويقتضي مشاركته مع الآخرين.
على طرقات لبنان الشرعية منها وغير الشرعية التي لا يصلح بعضها احيانا لدواب تدب على قوائمها الاربعة، اتنقل بتلك السيارة اليابانية النشطة، اجوب بها الطرقات بين منطقة وأخرى، من دون اي تمييز بين كيانات الطوائف الوهمية والتي تتحول تدريجياً الى امر واقع يصعب الفكاك منه. فتلك اليابانية، لا تعرف “داعش” او “نصرة” ولا تعرف التفريق بين “صيلبي، وصفوي او مرتد”.
وعلى الرغم من ان ما نتكلم عنه لا يتخطى كونه جمادا متحركا (السيارة)، الا أن علاقة ما تنشأ بيننا وبينه بحكم الاحتكاك اليومي، حتى اشعر ان تلك السيارة الصغيرة بالمقارنة مع تلك الرباعية الدفع، تجاريني في ثقتي التي قد تلامس الافراط احياناً، فاستمتع بسباقي مع الوقت، واتغلب عليه في الكثير من الاحيان.
بالامس ولأول مرة ، أشعر شيئاً ما قد تغير في علاقتي مع هذه الحاضنة، فهي ليست بالوفاء الذي تبديه، وأيقنت انها في خاتمة الامور جماد فاقد للاحساس، لا يصون عشرة ولا عمراً. كيف لا يكون ذلك وفي كل يوم تلتهم مقابرنا شباناً في عمر الورد، قضوا في ابشع انواع حوادث السير.
ليس في سطوري، نقمة هيستيرية على جماد لا ينبض، انما ما بين كلماتي حرقة والم من جمرة لا تحرق الا موضعها، الا ان تلك الجمرة الخبيثة، تكاد تتحول الى وباء متفشِ يتنقل بحقد بين العائلات اللبنانية، ووجب ان اكتب لنفسي، ولاصدقائي ولجميع القارئين، حذار السرعة، فهذه القاتلة لا نعرف وحشيتها الا بعد فوات الاوان..
يوم السبت الماضي، قرأت في وقت متأخر من الليل على صفحة صديق على احدى مواقع وسائل التواصل الاجتماعي عبارة يناشد فيها الاصدقاء بالصلاة والتضرع لسلامة صديق، ومن دون ان اعرف هوية الصديق دعوت له وخلدت الى النوم..
صباح الاحد كان مختلفاً تماماً عن السبت، فلم أشك للحظة ان من دعوت له جاهلاً قد يكون صديقاً وزميلاً جامعيا ً، واعلامياً في قناة “press tv”، وصحفياً رياضياً سابقاً في قناة الجزيرة و”BE IN SPORTS” الزميل حسين رسلان الذي يرقد حتى هذه اللحظات في غرفة العناية الفائقة، اثر حادث سير مروع للغاية على اوتستراد (البابلية) صيدا – صور الدولي قرب مفرق السكسكية مقابل الجامعة الجديدة.
كما لم اكن اعلم ان حسين كان برفقة صديق آخر، وهو مدير مقهى سفرون راني رمال الذي سرعان ما فارق الحياة لفداحة الحادث الذي اصابهما..
لن اسهب في الكلام اكثر، فالموت حق، انما تباً لذلك القدر السحيق القاسي الذي لا يأبه بدموع الامهات وافئدة الاباء، فعلى الرغم ان معرفتي براني لم تكن عميقة، الا انني ان كنت اتذكر منه، فانا اتذكر بسمته، وروح الدعابة لديه، وادرك جيداً انه محب للحياة ويستحقها، ولكن ما كان اقصره عمراً… متوسلاً الصبر والسلوان لاهله، واخص منهم الاصدقاء ريا وريان…
والى صديقي حسين، وان كنت لا تقرأ كلماتي الآن، الا أن احداً لن يمنعني من مخاطبتك، لأنك ستعود الينا والى اهلك واحبائك، وستنتصر ارادتك الحية على هذه المصيبة. نعم ستستفيق يا حسين وستقرأ كلماتي هذه، وسنسخر من القدر اللعين وسنترحم على راني…
ستعود يا حسين، وسنلم شملنا، وسنجتمع مع كل الاصدقاء والزملاء، وسنضحك، سنضحك طويلاً يا صديقي…
إياك ان تخذلنا يا حسين، فكلهم اخبروني انهم بانتظارك، واتصالات المطمئنين كثيرة، جميعهم يصلّون ويدعون لك، وان كنت تردد دائماً عبارة “يُمَلّ”، سنعارضك اليوم وسنصرخ جميعاً “لا يُملّ”: “عُد يا حسين، فانت في ضيافة الاحبة ودعاؤنا وصلواتنا لن يأذنوا لك بالرحيل”.