إكس خبر- قد تبدو قصة الأم فاطمة أغرب من الخيال، وهي التي حملت نعش جثة غريب لتدفنه خطأ؛ اعتقاداً منها بأنها تحمل جثة ابنها الميت عادل ياسر، التي بكت موته بحرقة، وحزنت الأسرة على وفاته صغيرها وكبيرها، قبل أن يعود عادل الذي يعاني من المرض، ويفاجئ الجميع بأنه مازال حياً يرزق، وسط ذهول الأسرة والجيران الذين لم يصدقوا ما حصل!
لكن حين تستمع للأم فاطمة، التي مازالت تعتصر دموعها حزناً على جثة الغريب الذي دفنته، وهي تروي تفاصيل الحكاية من أولها، ستكتشف كيف أن الله عز وجل هيأ الأسباب للقاء الأسرة بابنها الغائب لأكثر من أربعة أشهر.
وسيلة اعلامية انتقلت إلى بيت عادل، وزارت الأسرة التي لاتزال أجواء التأثر والحزن تبدو على جميع أفرادها رغم عودة عادل.
فأجواء الجنازة الرهيبة التي أقامتها الأسرة قبل أيام من ظهور ابنها عادل أثرت بشكل كبير على الأسرة، التي بكت على وفاة (عادل) وشيعته، وهي تستقبل «سيدتي»، وترحب بنا في بيتها الأنيق، الواقع في أحد الأحياء الشعبية بالرباط.
وحتى نمسك بأدق تفاصيل القصة التي لاتزال تشغل بال المغاربة وتثير استغرابهم، طلبنا من الأم فاطمة أن تستعيد معنا شريط الأحداث من أوله:
الأم: مهمومة به منذ طفولته
تحكي الأم عن حياة ابنها عادل: «لم يكن عادل (42 سنة) مشاغباً في طفولته، كان طفلاً لطيفاً مسالماً، وشاءت الصدفة مرة أن يختلف مع بعض أطفال الجيران وعمره لا يتجاوز (15 سنة)، دخلوا في عراك ليتلقى ضربة على رأسه بأداة حادة، كانت الضربة القاضية التي أثرت بشكل كبير على حياته؛ حيث انفصل عن الدراسة، وظل يتنقل بين المستشفيات، اعتقدنا بادئ الأمر وبعدما لاحظنا بعض سلوكياته غير السوية، بأنه ربما يكون قد أصيب بمرض نفسي، لكن الأطباء أجمعوا بأن عادل غير مريض نفسياً، بدعوى أن عادل تأثر بالضربة على مستوى الدماغ، لذلك نراه أحياناً يتصرف بنوع من الحكمة، ويتحدث مع الآخرين في كامل وعيه، وأحياناً نلمس بأنه فاقد لوعيه في لحظات معينة. لكن الجميل أن عادل لا يعتدي على أحد، وهو معروف في الحي وبين جيرانه صغاراً وكباراً. لقد قمنا بكل ما يمكن لأجل علاجه، قبل أن نستسلم في النهاية للقدر، تعذبت وتعذبت الأسرة بكاملها مع عادل، وخصوصاً عندما يخرج من البيت ولا يعود، وقد تمتد غيبته طويلاً، تصل أحياناً إلى ثلاثة أو أربعة أشهر، فنتجه بحثاً عنه في كل مكان، ونعيش حالة طوارئ قصوى في البيت، هذا قدرنا!».
تعتدل الأم فاطمة في جلستها وتكمل الحديث وهي تغالب دموعها:
«تصور، فمنذ تعرض عادل للاعتداء من طرف أطفال الجيران لم يهدأ لي بال، فأنا دائماً مهمومة بالوضع الصحي لابني عادل، ومتخوفة على مصيره، بل وضياعه مني بسبب غياباته المتكررة والمفاجأة بدون إذن مسبق، فقد يحدث أن يخرج من البيت وقد يعود للتو، وقد لا يعود كما وقع قبل عام تقريباً؛ حين خرج من البيت واتجه نحو بلدة (واد لاو)، غير بعيدة عن مدينة تطوان (شمال المغرب)، مشياً على قدميه، ومكث فيها نحو أربعة أشهر، ومن الصدف أن تعرف عليه أحد معارفنا الذين يقطنون بهذه البلدة، فبادر بإخبار صهري، وأنه لا داع للبحث عنه أو الخوف عن مصيره، فانتقلنا إلى عين المكان وجئنا به إلى الرباط، فكيف تريد لقلب أم أن تطمئن وهي تعيش هذه الكوابيس، وكيف تريد أن تغمض لها العين وهي تعيش دائماً كابوس الخوف على مصير ابنها الذي لا يطيق الجلوس طيلة اليوم بكامله في البيت بين الجدران.
غيبة طويلة
تصمت الأم فاطمة لبعض الوقت وكأنها ترتب أفكارها وتتهيأ لسرد الحديث الأليم، والصارخ الذي قلب حياة الأسرة رأساً على عقب بعدما دفنت جثة شاب غريب، واعتقدت خطأ بأنها جثة ابنها عادل، وتستأنف حديثها:
«طالت غيبة عادل هذه المرة أيضاً، وامتدت لأربعة الأشهر الأخيرة من عام 2014م، فخرجت للبحث عنه كعادتي أتنقل بين المستشفيات والدوائر الأمنية، ووضعته ضمن ركن المتغيبين في إحدى الصحف، وتنقلت بين مستودعات الأموات أسأل إن كان ابني بين الأحياء أو الأموات. زرت مستودع الأموات، حملت معي صورة عادل في مدينتي الرباط وسلا مرتين دون جدوى، وطلب مني أحد المسؤولين الدخول إلى المستودع والبحث ما إذا كان ابني عادل من ضمن هؤلاء الأموات، فاعتذرت، واستأذنتهم إلى حين مجيء أحد أقاربه من الأسرة الذي سيتكفل بدخول المستودع للبحث عن عادل، وهو ما حصل، خصوصاً وأن مسؤولاً عن المستودع وبعد رؤيته للصورة قال إنها شبيهة بأحد الموتى الموجودين في المستودع».
تتوقف الأم فاطمة، تتنهد وتستغفر الله قبل استرسالها في الحديث:
«وبالفعل، التحق الأب بالمستودع، وتعرف على جثة ابنه عادل، أو هكذا خيل إليه، وبعد قيامه بجميع الإجراءات عاد إلى البيت يحمل جثة شاب غريب؛ اعتقاداً منه بأنها جثة عادل. والأب معذور في هذه الحالة؛ لأن ملامح الناس بعد الموت تتغير، العين تخدع، وللأب في هذه الحالة عذره، كان يوماً حزيناً ونحن نستقبل الجثة، ونهيئ للجنازة. يوم لن ننساه أبداً، ولكن صدقوني أنه بالرغم من البكاء وحرقة الفراق فإنني كنت أشك تماماً بأن الجثة، هي لابني عادل، فقلب الأم كما يقولون لا يكذب، وإحساسها في العديد من الحالات لا يخطئ. وحتى وأنا أتحدث بعد دفن جثة الغريب، كنت وابنتي الصغيرة نسهر إلى آخر ساعة من الصباح، نتحدث في الموضوع، وكنا متفقتين بأن هناك إحساساً ينتابنا بأن عادل حي لم يمت بعد. وصدق قولي، ففي غضون عشرة أيام أعقبت دفن الغريب جاء الخبر الذي هز الأسرة، وأثار الاستغراب، كما أثار تساؤل البعض، كيف بالابن عادل وقد دفن قبل أيام فقط أن يعود للظهور من جديد، بعدما نزل الخبر فجأة على أفراد الأسرة؟».
مازال حيّاً
توضح الأم فاطمة: «ومن القدرة الإلهية، أن أحد معارفي في حي بوهلال، الذي أمضيت فيه طفولتي وشبابي، كان في رحلة في مدينة (شفشاون) شمالي المغرب، برفقة أسرته على متن السيارة، فلمح بالمصادفة في منطقة تدعى (أقشور) ضاحية المدينة، ابني عادل الذي يعرفه جيداً، كما يعرف بقية أبنائي، وعند عودته إلى الرباط التقى ابن أختي، وبعد حوار قصير بينهما لاحظ الرجل أن حالة من الحزن بادية على ابن الأخت، فاستفسره وأخبره بأنه مازال حيّاً على وقع صدمة وفاة عادل الذي دفن قبل (10) أيام فقط. فذهل الرجل الذي أخبره بأن هذا كلام غير صحيح، وأن عادل الذي يعرفه حق المعرفة حي يرزق، وشاهده قرب موقف سيارات الأجرة ببلدة (أقشور) بمدينة شفشاون، وأنه مستعد ليمده بجميع المعلومات التي من شأنها مساعدته للوصول إلى مكان تواجده.
وهذا ما وقع، انتقل ابن أختي إلى البلدة المذكورة على متن الحافلة، مستعيناً بجميع المعلومات المتوفرة، فانتظروا معي وتأملوا كيف يهيئ الله عز وجل الأسباب، فبمجرد وصول الحافلة إلى البلدة المذكورة وبينما كان ابن أختي يتأمل بفضوله أرجاء المنطقة فإذا به يلمح عادل من نافذة الحافلة التي لم تكن قد توقفت بعد.
نزل ابن الأخت من الحافلة، ترجل، نادى (عادل… عادل)، وإذا بابني عادل يلتفت إليه، ويتعانقان إيذاناً بنهاية قصتنا الأليمة… عاد ابن الأخت وبرفقته عادل إلى البيت، لتمتزج الفرحة؛ فرحة عودة الابن عادل من اغترابه وألم فراق شاب غريب أسميته (عبدالله) الذي بكيناه جميعاً.
قصة لم يصدقها الكثيرون، فإلى الآن مازال البعض يتصل معزياً، والآخرون يطرقون الباب مهنئين! بينما عادل الذي ترونه أمامكم قد لا يصدق نفسه مما وقع!
عادل: لن أخرج من البيت
تعذر علينا لقاء الأب، ولقاء بقية الأطراف الأخرى، بل وتعمدنا عدم ذكر حتى الأسماء؛ نزولاً على طلب الأسرة، ولكن تحدثنا إلى عادل الذي قالت والدته إنه يتحدث للمرة الأولى لمنبر إعلامي.
قال عادل في سياق حديثنا المتقطع معه إنه لا يتذكر بالتحديد ما وقع، ولكن المهم هو أنه أخذ عهداً على نفسه بعدم الخروج من البيت والتيه؛ لأنه لا يريد -كما ذكر لـ«سيدتي»- بأن يكون سبباً في متاعب للآخرين، وخصوصاً أمه الحبيبة التي اتكأ على رجلها، وبدأ يتأمل في ملامح وجهها مثل طفل صغير وهي تداعب شعره قبل أن تجد أثر الضربة التي كانت سبباً في جميع المشاكل الجسدية والنفسية التي يعيشها اليوم عادل.
الرأي الطبي
استشرنا البروفيسور عبدالله العباسي حول مرض عادل فأجاب: «الحالة مؤثرة فعلاً، وعادل اليوم يعاني تلفاً لخلايا الدماغ نتيجة الضربة الحادة التي تلقاها في صغره، وكان يلزمه تدخلاً جراحياً في حينه، واستشارة فريق طبي مكون من جراح للدماغ والأعصاب وطبيب نفسي وأخصائي جراحة تقويمية؛ لأن الأمر يتعلق بعضو حساس وحيوي؛ وهو الدماغ. وللأسف اليوم يعاني اضطرابات قد يستحيل علاجها؛ فالخلايا تلفت نتيجة تلك الضربة وأخذت سرها معها، لا يمكن اليوم تحديد طبيعة مرضه وحالة الشرود التي تصيبه، لذا أؤكد على كل العائلات أن أي حادث قد يقع لأطفالهن يجب أن يؤخذ على محمل الجد في حينه، ويتم الكشف عن الخلل بالأشعة أو الجراحة وغيرها، وطبعاً نسأل الله اللطف في أقدار كل البشر.