إكس خبر- عند البحث عن الأسباب، التي أدت إلى تحول عرسال البقاعية إلى بلدة محتلة من قبل الجماعات الإرهابية، لا يمكن تجاهل ماضيها بالنسبة إلى الكثير من أبناء منطقة البقاع الشمالي، حيث يبدأ الحديث مباشرة عن شهداء عرسال في المقاومة الوطنية خلال مواجهة اسرائيل، وعن العلاقات المميّزة التي كانت تجمعها مع القرى المجاورة، والتي تتجلى بعلاقات المصاهرة الكثيرة.
تعتبر إحدى فعاليات المنطقة، في حديث لـ”النشرة”، أن عملية إغتيال رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري، في 14 شباط من العام 2005، كانت نقطة التحول الأساسية في مسار علاقات عرسال مع محيطها، حيث ترك الصراع السياسي في البلاد، الذي أخذ منحى مذهبيًّا بتداعياته الخطيرة جداً عليها، بعد أن كانت تسيطر عليها الأحزاب القومية واليسارية، وتلفت إلى أن أموالاً طائلة دفعت لتحقيق هذا الهدف.
بعد ذلك، تحولت البلدة إلى أحد معاقل قوى الرابع عشر من آذار، لا سيما تيار “المستقبل”، وبدأت المشاكل مع الجيران، خصوصاً عند مشاركتهم في المهرجانات التي كانت تحصل، حيث كانوا يعتبرون أنها فرصتهم المناسبة للإنتقام من الإعتداءات التي تقع في بلدة سعدنايل عند مشاركتهم في المهرجانات المقابلة.
وبعيداً عن الذهاب في السرد التاريخي، تشير هذه الفعالية إلى أن الأحداث السورية ساهمت في تعزيز هذا الإنقسام، بعد أن قررت البلدة دعم قوى المعارضة بشتى الوسائل مقابل تأييد محيطها للنظام السوري، لكن إستغلال واقع عرسال الجغرافي والديمغرافي والإجتماعي، من قبل بعض الجهات المحلية والخارجية، حولّها إلى أحد المعابر الأساسية لتهريب السلاح والمقاتلين إلى سوريا.
في هذا الإطار، تلفت هذه الفعالية إلى أن أموالاً طائلة أنفِقت في البلدة، من قبل بعض الجهات، من دون أيّ رقابة من قبل السلطات الرسمية تحت عنوان تقديم المساعدات الإنسانية إلى النازحين، وتؤكد على حصول تجاوزات بعيداً عن عيون الدولة، التي ترى أنها لم تكن قادرة على القيام بأي أمر، لا سيما أنّ أيّ موقف كان يقابل بحملات تحريض واسعة بسبب الواقع السياسي، ولا تنفي وجود مستفيدين من هذا الأمر من أبناء عرسال، وتشدد على أن هناك من تمكن من جمع الأموال من وراء ذلك.
ما يهم اليوم، أن ما حصل في الأيام الأخيرة شكل صدمة عند بعض القوى السياسية التي لم تكن تعترف بالواقع القائم، مع العلم أنه كان متوقعاً في أي لحظة، والكثير من التقارير الأمنية تحدثت بشكل مفصل عن سيطرة الجماعات الإرهابية على جرد عرسال بعد معركة جبال القلمون السورية، لا بل تم الحديث منذ أشهر عن تمددها نحو البلدة من دون أن تحرك أي جهة ساكناً.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة إلى أنه منذ البداية لم يتم التعامل مع الواقع بالشكل المطلوب، وتعود بالذاكرة إلى الحملة التي شنت على وزير الدفاع الوطني السابق فايز غصن لدى حديثه عن وجود عناصر من تنظيم “القاعدة” يتسللون إلى سوريا عبر البلدة تحت ستار أنهم من المعارضين، حيث تحول إلى متهم بالتحريض على عرسال رغم تأكيده أكثر من مرة أن معلوماته تستند إلى التقارير الأمنية التي تصل إليه بحكم موقعه.
بعد أشهر قليلة على كلام غصن، تسارعت الأحداث لتؤكد ما كان يتحدث عنه، بعيداً عن حملات “التضامن” السياسية، والتي ترافقت مع تصريحات نارية من قبل بعض فعالياتها، لا سيما رئيس البلدية علي الحجيري والشيخ مصطفى الحجيري المعروف بـ”أبو طاقية”، ويمكن على هذا الصعيد ذكر أبرز الأحداث الأمنية، من تعرض دورية من الجيش، في 1-2-2013 لكمين مسلّح في أطراف عرسال خلال ملاحقتها أحد المطلوبين، حيث دارت اشتباكات أسفرت عن استشهاد الرائد بيار بشعلاني والمعاون ابراهيم زهرمان، وعن جرح عدد من العسكريين، إلى تعرض مراكز الجيش، في 28-5-2013، لهجوم من قبل مجموعة مسلّحة أدّى إلى استشهاد ثلاثة عسكريّين، إلى مهاجمة مجموعات من المسلّحين، في 5-6-2013 لحاجز الجيش في منطقة وادي حميّد، ناهيك عن الكثير من التوقيفات التي حصلت لمسلحين وسيارات محملة بالأسلحة أو المتفجرات، والتي كان أبرزها تلك التي كان على متنها 3 نساء من عرسال، بالإضافة إلى الإعتداء الذي تعرض له موكب الحجيري على خلفية مقتل 4 مواطنين من قرى البقاع الشمالي على يد المجموعات المسلحة في الجرود.
في ظل هذا الواقع، كان يجري الحديث بشكل دائم عن أن أغلب السيارات المفخخة، التي إنفجرت في أكثر من منطقة، كانت تمر عبر جرود عرسال، بعد إعدادها في الداخل السوري، الأمر الذي دفع القرى المجاورة لها إلى إقامة الحواجز الأمنية التي رفعت بعد بدء تنفيذ الخطة الأمنية في عهد الحكومة السابقة، بعد وقوع أكثر من إشكال بسببها، وهذا الأمر ترافق أيضاً مع عمليات إطلاق الصواريخ المتكررة التي إستهدفت أكثر من بلدة، وأدت إلى سقوط ضحايا، وكان يشار دائماً إلى أن مصدرها السلسلة الشرقية التي تقع ضمنها جرود عرسال.
وعلى الرغم من كل هذه الأحداث، لم يتغير الوضع في عرسال، كان لدى الحديث مع المسؤولين المحليين فيها عن الخطر الذي سينجم عن ذلك، يتم التأكيد مباشرة أن عرسال لن تترك وحيدة، بالرغم من نفيهم لكل المعلومات والحقائق التي تعرض أمامهم، وكانوا يشيرون إلى أنهم لا يقدمون إلا المساعدات الإنسانية لنازحين هاربين من الحرب، نافين بشكل مطلق وجود مسلحين في البلدة.
وبعد أن تمكنت وحدات الجيش السوري، بالتعاون مع “حزب الله”، من السيطرة بشكل شبه كامل على منطقة جبال القلمون، لم يكن أمام المجموعات المسلحة التي كانت متمركزة هناك من منطقة آمنة إلا جرود عرسال، بسبب التداخل الكبير الحاصل في الأراضي بين البلدين، وبدأ الحديث عن تمركز أعداد كبيرة من المسلحين في هذه المنطقة، التي أصبحت من أهم البؤر الأمنية الخطرة على الأمن اللبناني، نظراً إلى أن الجيش السوري كان قد تمكن من إغلاق الحدود من جانبه، في حين تولى سلاح الجو التابع له إستهداف أي تحرك عسكري لهذه المجموعات.
ولم يمض وقت طويل، بحسب ما تؤكد المصادر، حتى بدأت هذه المجموعات بالسعي إلى التمدد داخل البلدة، خصوصاً أنها كانت بحاجة إلى الحصول على الإمدادات عبرها، وهذا الأمر أدى إلى وقوع الخلاف مع أبناء عرسال، ويمكن ذكر عدّة عمليات إعدام حصلت لعراسلة خلال الأشهر الأخيرة، بناء على قرارات صادرة عن المجموعات الإرهابية، وكان من غير الممكن أن يذهب أي مواطن إلى أراضيه في الجرود من دون أن يتعرض لاعتداء بسبب خوف هذه المجموعات من أن يكون عنصراً تابعاً لأحد الأجهزة الأمنية.
من هذا المنطلق، ينبغي الإشارة إلى بعض الممارسات التي حصلت خلال الأشهر القليلة السابقة هذا العام، قبل أن تصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم، والتي يأتي على رأسها التفجير الإنتحاري الذي إستهدف أحد حواجز الجيش، ومنها: خطف عناصر من جبهة “النصرة”، في 1 حزيران 2014، 3 أشخاص لا يتجاوز أعمارهم 16 عاماً من آل شاهين وآل صميلي، حيث قاموا بالتحقيق معهم وتعذيبهم بعد اتهامهم بسرقة دراجة نارية، وإعدام المواطن مصطفى نجيب عز الدين في منزله، في 8 تموز 2014، وهو والد طفل قتلته المجموعات المسلحة قبل نحو شهر من ذلك، وقبل وقوع الأحداث الأخيرة تعرض أيضاً أكثر من موقع للجيش لهجوم من المجموعات المسلحة، إلى أن إنفجر الوضع يوم السبت الماضي.
في المحصلة، تؤكد المصادر أن الواقع القائم اليوم هو نتيجة تراكمات بدأت منذ أكثر من ثلاث سنوات، تداخل فيها تورط عدد من أبناء عرسال بدعم المجموعات المسلحة مع تقصير الحكومات المتعاقبة في أخذ الإجراءات اللازمة، بدءاً من معالجة أزمة النازحين وصولاً إلى منع تمركز المجموعات المسلحة داخل البلدة وفي جرودها، وتشدد على أن هذا الأمر من المفترض أن يكون عبرة لكل القوى السياسية الفاعلة من أجل تفاديه في مناطق أخرى، بالإضافة إلى ضرورة محاسبة كل المسؤولين عن وصول الأوضاع إلى ما هي عليه، خصوصاً أن هناك شهداء وجرحى من المؤسسة العسكرية سقطوا على مذابح الوطن.