إكس خبر- يقف لبنان اليوم أمام المشكلات الإقليميّة والتعقيدات الداخلية نفسها التي عرفها صبيحةَ ذلك اليوم المشؤوم من نيسان. فهو يمرّ في الظروف نفسها التي مرَّ بها في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، قبل انفجار الحرب، وذلك على رغم تبدّل الأساليب والوسائل والطرق.
وأتَت جولات العنف الأخيرة التي ضربت طرابلس، لتُذكّر اللبنانيين بالجولات الأولى من الحرب اللبنانية، حين كانت الحروب الصغيرة تطيح الخطط الامنية والسياسية، ليغرق لبنان مجدداً في فيضان العنف وليتطوَّر ويتلوَّن ويتنقل بين مختلف المناطق اللبنانية.
وبعيداً من نجاح الخطة الأمنية الأخيرة في طرابلس وإزالة المتاريس والدشم بين جبل محسن وباب التبانة، في ثاني أكبر مدينة لبنانية، علينا أن نقرّ ولو لمرةٍ واحدةٍ بأننا لم نُشفَ لتاريخه من تأثيرات الحرب، ولم نتخلَّص من نتائجها. ولعلَّ استمرار مهزلة وزارة المهجرين وصندوقها خير دليل على ذلك.
وما يعكس هذه الصورة بنحوٍ فاقع هو النزاع المستمر على تقاسم السلطة بين الطوائف والمجموعات التي يتألّف منها الوطن الصغير، والتي تتبلور خلافاً مستمراً على دور لبنان وعلاقاته الخارجية المعقدة، وطريقة إدارة اقتصاده، بالاضافة إلى السياسة الدفاعية الواجب اعتمادها. وهي اختلافات ظاهرها إيديولوجي عقائدي، أمّا حقيقتها فهي الإستعانة بالخارج لتحسين شروط المشاركة الداخلية.
من هنا نفهم تعاون معظم افرقاء الداخل مع فترة الحكم السوري للبنان، والتي امتدت من العام 1990 الى 2005 من اجل تعزيز موقعهم في تقاسم كعكة المغانم الداخلية، وانتفاضهم على هذا الحكم حينما سُحب الملف من يد النظام السوري اثر الخلاف الاميركي مع هذا الاخير، وتحميلهم مسؤولية مختلف مشاكلهم لفترة ادارة سوريا للملف اللبناني، (وفي هذا كثير من الصحة)، متناسين أنّهم يتحمّلون مسؤولية كبرى في إدارة ملفهم خصوصاً بعد العام 2005.
وتتلخَّص هذه المسؤولية في عدم إيجاد مخارج لأزماتهم السياسية من دون الاستعانة بالخارج، هذه الازمات التي تؤدي طبيعياً إلى تأزّم أمني، وأحداث 2008 خير مثال، بحيث لم نستطع الخروج من عنق الزجاجة سياسياً وأمنياً إلّا بإتفاق عُقِد بمظلة اقليمية ودولية، وانصياع داخلي، ما أنتَج انتخاب الرئيس الحالي ميشال سليمان بعد أشهر من الفراغ في الموقع الرئاسي.
وفي السياق نفسه، أتى تأليف حكومة الرئيس تمام سلام والإتفاق بقدرة قادر على بيانها الوزاري، إثر شِبه اتفاق إقليمي لإبعاد شبح الفراغ عن المؤسسات اللبنانية، ما أدى إلى رضوخ داخلي انعكس انفراجاً أمنياً، والاتفاق على تسيير أمور الحكومة ولو بحدّها الأدنى.
ويبقى السؤال: هل ستنعكس هذه المعادلة حكماً على الإنتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها قبل 25 أيار المقبل، ولا سيما أنّ هذه الانتخابات تأتي نتيجة إتفاق اقليمي – دولي وموافقة داخلية؟ ويستطيع الداخل فرض فيتو سلبي على الاتفاق الخارجي؟ وهذا ما حصل في العام 1988 حينما عطَّل الفريق المسيحي الإتفاق الاميركي ـ السوري الذي قضى بانتخاب النائب مخايل ضاهر رئيساً للجمهورية.
من هنا، وجب على المسيحيين تسهيل هذه الانتخابات، لا عبر الإتفاق على مرشَّح لا طعم له أو لون، إنّما عبر تفعيل دورهم لإنتاج تفاهم سنّي ـ شيعي يُثبت مواعيد الانتخابات، كون هذا الاستحقاق يحتاج الى مطرقة رئيس مجلس النواب نبيه برّي والتي لا تتأمَّن إلّا في حضور جميع المكوّنات اللبنانية.
وهذا ما لم يوحِ به الدكتور سمير جعجع بطريقة اعلان ترشيحه للموقع الاول، فجاء هذا الترشيح خطوة سلبية تعطيلية لأيّ توافق داخلي ومباركة خارجية للاتفاق على رئيس جدي يحكم الجمهورية.