مقال سعود العماري – تقع جزيرتا تيران وصنافير في المضيق الذي يربط خليج العقبة بالبحر الأحمر، والذي يُسمى، مضيق تيران، باسم أكبر هاتين الجزيرتين. تقع جزيرة تيران، التي تبلغ مساحتها حوالي 80 كيلومترًا مربعًا، في مُنتصف مدخل المضيق تقريباً، وتُقابلها، على ساحل شبه جزيرة سيناء المصري، منطقة شرم الشيخ. وهذا الجزء من المضيق هو الذي تسلكه حركة الملاحة البحرية العالمية، بسبب اتساعه النسبي وعمقه، مقارنةً بالجزء الواقع إلى الشرق من جزيرة تيران، الذي يتسم بضحالته نسبياً وضيقه الشديد، بسبب وجود جزيرة صنافير، التي تبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومترًا مربعًا.
والجزيرتان، في الوقت الحاضر، غير مأهولتين، وإن كان ياقوت الحموي قد أشار في كتابه “معجم البلدان” إلى جزيرة تيران؛ التي أسماها تاران، وذكر أن قوماً يُقال لهم بنو جِدَّان كانوا يقطنونها.
ورُغم أنني رجلُ قانونٍ سبق له التعامل مع قضايا عدة تتصل بالقوانين الدولية، إلا أنني لا أكتب هذه المقالة لأتحدّث عن الأصول والأسانيد والوثائق والمراسلات التاريخية والقانونية التي تؤكد تبعية هاتين الجزيرتين وتوثِّق السيادة عليهما، لأن هذا الموضوع حُسم بالاتفاق الذي تم، ولأن من المُتعذِّر الوقوف على أبعاده وجوانبه التاريخية والسيادية في مقالةٍ محدودة المساحة كهذه، كما أنَّ جَهيزة قطعت قول كل خطيبٍ في الحديث عن هذا الموضوع، حيثُ أحيل القارئ الكريم على ما قاله، في هذا الشأن، فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وما بيّنه أصحاب السعادة؛ الدكتور مُفيد شهاب، والدكتور مصطفى الفقي، والدكتور مصطفى فؤاد، وغيرهم كثير ممن يُعتد بقولهم، لأنه يستند إلى الوثائق والمعلومات الدقيقة.
وخلاصة ما سيجده القارئ الكريم في هذا الأمر هو أن هاتين الجزيرتين سعوديتان، وأن المملكة قامت، في مرحلةٍ تاريخية مُعينة، ولأسبابٍ اقتضتها مصالح البلاد والمنطقة، بتسليم إدارتها للإخوة في مصر العزيزة. وها هي مصرُ، بما عُرف عنها من احترامٍ للعهود والمواثيق والحقوق، تؤكد من خلال اتفاق تعيين الحدود البحرية الذي وُقِّع مؤخراً، أن هاتين الجزيرتين سعوديتان.
والواقع أنني أكتب هذه المقالة لأسلط الضوء على ظواهر مؤلمة لا حظتُها في الوسط الإعلامي، في أعقاب الزيارة الموفقة لخادم الحرمين الشريفين لمصر الكنانة.
أولى هذه الظواهر، هي أن عدداً ملحوظاً من الأشخاص، ومنهم إعلاميون ومسؤولون سابقون وأشخاصٌ لهم مواقعهم المتميزة على شبكات الإعلام والتواصل الاجتماعي، اندفعوا إلى الحديث عن موضوع الجزيرتين، بحميِّة وعاطفةٍ وطنيةٍ جياشة، دون الرجوع إلى الأسانيد التاريخية أو القانونية المُعتبرة، أو المعاهدات والاتفاقات الدولية. وبناءً على انفعالاتهم وعواطفهم، راحوا يوجهون الاتهامات للمملكة، وللحكومة المصرية، بشكلٍ يتنافى تماماً مع مبادئ الحق والعدالة والقانون.
ورغم أنني لا يُمكن أن أُحرِّم الحميَّة والعاطفة الوطنية، التي أعُدُّها ركناً من أركان الشعور والانتماء الوطني الصادق، إلا أنني كنت آمل ألا يكون الحديث في هذه القضية، أو في أي قضيةٍ أخرى مشابهة، إلا بعد التثبُّت من جميع جوانبها وخلفياتها، حتى يكون ما يُقال معقولاُ ومقبولاً، وإن اختلفنا معه.
أما الظاهرة الثانية فهي استغلالٌ بشعٌ للظاهرة الأولى، حيث رأينا عدداً من الانتهازيين والمُتسلقين والمأجورين، ممن لهم، أو لمن يدعمهم، أهدافٌ هي أبعد ما تكون عن الوطنية والانتماء الوطني، يستغلون التفاعل الذي عمرت به الساحة الإعلامية، ويوجهونه، بشكلٍ يؤدي إلى الفُرقة والشتات، كلما لاحت في الأفق مبادرة عربية أو إسلامية تهدف إلى جمع وتوحيد الصف العربي والإسلامي. ولو أن الذين تكلموا في قضية الجزيرتين، من واقع عاطفتهم الوطنية المُقدّرة، الزموا أنفسهم التوثُّق من الحقائق التاريخية من مصادرها الصحيحة، لفوتوا على هؤلاء المتسلقين فرصة إلقاء الحطب والوقود على نار ما كان ينبغي لها أصلاً أن تشتعل.
في إطار هذه الظاهرة الثانية برز صوتٌ ناعقٌ لعلمٍ أسود معروفٍ لدى الجميع بتوجهاته الاستغلالية وبخروجه على جميع الأعراف والأخلاقيات الإعلامية. حيث استغل هذا الناعق الحوار الذي بدأ حول موضوع الجزيرتين، ليواصل ما انتهجه من كيل الاتهامات للمملكة خصوصاً، ولدول الخليج العربية، ولحكومة مصر العزيزة.
وقد قرأت مقالةٍ مطولةٍ، أجلب فيها الكاتب بخيله ورجله، فلم يدع كذبةً إلا افتراها ولا حقيقةً إلا لوى عنقها، وجمع كمّاً من الأكاذيب والافتراءات، أربأ بالقارئ الكريم وفطنته أن تنطلي عليه، كما أنني لن اُهدر وقت القارئ بالرد عليها.
فقد استغل هذا الأفّاق، موضوعاً مصرياً سعودياً ليواصل أكاذيبه واتهاماته لمصر؛ وللمملكة التي وجه لها ولقادتها؛ السِباب والتُهم الكاذبة ولم يسلم من محاولاته اليائسة للتلطيخ والتلويث أي زعيمٍ عربي، بما في ذلك الزعماء الفلسطينيون أنفسهم!!
إنني أود أن أقول لهذا الكاتب ولمن وراءه، انتهى الدرس ولن تنطلي أكاذيبكم علينا، فقد انكشفت للقارئ العربي سوآتكم، فنحن، في المملكة، وفي دول الخليج العربية، منفتحون على من يريدون التحاور معنا، بل وعلى من يُخالفوننا الرأي، ما دام الجميع ملتزماً آداب الحوار وأخلاقياته، وما دامت غاية الجميع هي مصلحة الوطن والأمة، أما الكذابون والمُدلسون، والذين يسعون إلى التنفيس عن أحقادٍ شخصية، فلا مكان لهم بيننا، وستكون تيران وصنافير، صخرتين في وجه دُعاة الفُرقة.