إكس خبر- الفوضى عارمة في الشرق الاوسط. كلّ الساحات تحرَّكت دفعةً واحدة تزامُناً مع التطوّرات العراقية. وليس في الأمر غرابة طالما أنّ اللعبة في العراق أقرب الى «بوكر سياسية»، ما يستَوجب وضعَ كلّ الاوراق على الطاولة.
لكنّ السؤال البديهي يبقى: هل يؤشّر ما يحدث إلى الدخول في مرحلة العنف المجنون والمتبادَل والمواجهة المفتوحة؟ أم أنه التصعيد ممراً إلزامياً لبُلوغ التسوية؟
تبدو الأوساط الديبلوماسية الغربية، التي يغمرها قلق شديد بسبب التحديات الامنية التي تنتظرها، واثقة على الاقل بأنّ التصعيد مدخل تمهيدي وملزم لبلوغ تسوية تضم جميع الأفرقاء حول خطة ضرب الحركات الاسلامية المتطرفة بما معناه مسار يشبه التصعيد – المناورة الذي نفَّذته واشنطن في أيلول الماضي ضدّ سوريا، والذي تضمَّن استنفاراً عسكرياً وإطلاق صاروخين حتى من البحر القريب من إسبانيا، لتعود اللعبة وتنقلب فوراً الى فتح أبواب الحوار مع إيران بعدما حقّقت المناورة العسكرية كل الاهداف المطلوبة.
المبدأ نفسه، يُطبَّق اليوم ولكن مع مخاطر أكبر. ففيما تلعب واشنطن ورقة «داعش» في إطار عضّ أصابع إيران لخلق معادلة سياسيّة جديدة في العراق، ومنها في سوريا ولبنان والخليج، بالتزامن مع المفاوضات الصعبة الدائرة بين البلدين، رمَت إيران بعض أوراقها في محاولة لعضّ أصابع واشنطن ودفعها إلى تحريك طائراتها قبل أن تُضطر طهران إلى القبول بتنازلاتٍ كثيرة، وعلى رغم أنّ واشنطن وطهران محكومتان بما يُشبه «التحالف الالزامي والعجيب»، على حدِّ ما يُردِّد ديبلوماسيون أميركيون، إلّا أنّ عضّ الاصابع يهدف الى تعديل الأحجام لا للوصول الى المواجهة المفتوحة.
فبعدما فشلت إيران في جرِّ واشنطن الى التدخل من خلال التلويح بسحب الجيش العراقي عن الحدود مع السعودية، تحرَّك الحوثيون في اليمن على مسافة غير بعيدة من جنوب السعودية، وانطلق الجيش السوري بمساعدة «حزب الله» في معركة السيطرة الكاملة على حلب. وصعَّدت «حماس» في مواجهتها للجيش الاسرائيلي ونفَّذت خطواتِ نوعية، إن من خلال استهداف المطارات أو حتى العمق الاسرائيلي إضافة الى قاعدة بحرية عسكرية.
وبدا استنجاد واشنطن بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بلا فعالية، فيما يدرك الجميع حساسية الملف الفلسطيني على الشارع العربي. أما إسرائيل التي تشكل حرب الاستنزاف نقطة قاتلة لها، فحرَّكت جيشها بضوء اخضر أميركي، ولكن وفق مجالات محدودة: توجيه ضربات مؤذية إلى «حماس» إذا أمكن، ولكن من دون الانزلاق الى الحرب المفتوحة التي تُعارضها واشنطن بقوة.
ولكنّ «عض اصابع» واشنطن لا ينحصر في الشغب المفتوح داخل ساحات الشرق الاوسط فقط، بل هناك ما يقلق العواصم العربية كلها بسبب جرعات الإنعاش التي أعطتها «داعش» من خلال زلزال العراق.
وبعيداً من الكلام الذي يُطلق عن «داعش» والجهات الداعمة لها، تتحدّث التقارير الغربية الرسمية عن وجود ثلاثة أقسام لـ»داعش»:
– القسم الاول، وهو صغير وتخرقه الاستخبارات الايرانية، ما يعني قدرة طهران على التأثير فيه.
– القسم الثاني، وهو أكبر من الاول وتخرقه الاستخبارات السعودية، ويؤدّي دوراً مؤثراً في «انتفاضة» العراق.
– القسم الثالث، وهو الذي يمثل أكثر من 75 في المئة من التنظيم، وهو يتحرَّك وفق إيديولوجيّته الدينية واقتناعاته المتطرّفة، وهو متفلّت من أيّ رقابة او رعاية.
ويعيش الغرب قلقاً كبيراً بسبب تحضير التيارات الاسلامية المتطرفة لضرب الاستقرار الامني لهذه الدول بعدما باتت تملك الامكانات المطلوبة.
لذلك باشرت العواصم الاوروبية تنفيذَ إجراءات مشددة في المطارات والموانئ البحرية، وسط قلق فرنسي خصوصاً، من أنّ التحضيرات أُنجِزت لتنفيذ تفجيراتٍ تضرب العمق الاوروبي.
وفيما تراهن طهران على «آخ» اميركية قبل «آخ» إيرانية، التقت مصالح البلدين في لبنان. فتنظيم «داعش» اخترق الساحة اللبنانية وهو يعمل على ضربها وفق حساباته، فيما تجد طهران وواشنطن نفسيهما في موقع واحد لمحاربة مخطط «داعش»، وفق حساباتهما ورؤيتهما.
وتشير آخر التقارير الغربية التي أُرسلت على عجل الى لبنان، الى قرار «داعش» اختراق الجيش والاجهزة الامنية لتنفيذ عمليات ارهابية من خلال هذه العناصر، بعد تضييق الامن اللبناني الخناق على شبكاتها.
وبعيداً من الجدل اللبناني «السخيف» في شأن حقيقة «لواء أحرار السنّة – بعلبك»، أرسلت واشنطن إلى السلطات العسكرية اللبنانية صوراً التقطتها بالأقمار الصناعية تُظهر أعداداً كبيرة من المسلحين في جرود عرسال امتداداً حتى الاراضي السورية. وأبدت تقارير مواكبة قلقها من استهداف هؤلاء للحلقة الاضعف في المنطقة، أي الحضور المسيحي في البقاع الشمالي. وحين حاول الجيش سابقاً استكشاف جرود عرسال، تعرّض لاستهداف عنيف أوقع جرحى.
فأدركت واشنطن أنّ عدم تحرك الطائرات الحربية السورية لقصف هؤلاء المسلحين في جرود عرسال إلّا في حالات محدّدة، إنّما يستهدف انتزاع تكليف دولي بهذه المهمة، مع ما يستتبع ذلك من اعتراف بمصالح سورية في البقاع من أجل ذلك. وتقاطعت مصالح واشنطن وطهران الامنية في لبنان الذي يحتاج مظلّة سياسية اقوى لحمايته من الاخطار المحدقة، وفي مقدمها إعطاء الواجهة السياسية إلى القوى السنّية وعدم الاكتفاء بمعالجةٍ على مستوى الحكومة فقط، إضافة إلى سدّ ثغرة الشغور على مستوى رئاسة الجمهورية.
صحيح أنّ التوقعات الديبلوماسية تشير الى اقتراب موعد إنجاز التفاهم الدولي – الإقليمي لبدء ضرب المتطرّفين، والى لقاء سعودي – إيراني على مستوى وزراء الخارجية، سيحصل بعد عيد الفطر، وهو ما سيضع ملف الانتخابات الرئاسية على نار المعالجة، إلّا أنّ الحركة الداخلية تبدو مطلوبة، خصوصاً أنّ المهلة الدستورية للانتخابات النيابية تبدأ في 20 آب المقبل، وستشكّل عاملاً ضاغطاً للشروع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي.