إكس خبر- استغل الرئيس فلاديمير بوتين خطابه السنوي حول السياسة الخارجية الروسية، لتفجير التناقضات داخل الاتحاد الاوروبي، في محاولة لنقل الكباش مع البيت الابيض الى قلب القارة العجوز، بعدما طاولت تداعياته الطرف الشرقي من اوروبا وتحديداً اوكرانيا، بعد سورية والعراق ومناطق أخرى.
توقيت مناسب لمن يأخذ على محمل الجد، كلاماً على اعلى المتسويات في لندن عن «طلاق حتمي» بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي، نتيجة تجاهل القادة الاوروبيين الاسبوع الماضي، معارضة جذرية من جانب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون لتولي رئيس وزراء لوكسمبورغ السابق جون كلود يونكر منصب رئيس المفوضية الاوروبية (الذراع التنفيذية للاتحاد)، نظراً الى جنوح الأخير نحو سياسة اندماج كليّ لدول القارة في «ولايات متحدة اوروبية»، الامر المرفوض كلياً بالنسبة الى البريطانيين ويدفعهم الى الارتماء اكثر في احضان الاميركيين.
في المقابل فإن النخبة الحاكمة في موسكو والتي ترى انها تخوض صراعاً تاريخياً «للدفاع عن نضالاتها منذ عهد بطرس الأكبر»، كما عبّر بوتين نفسه في خطابه الثلثاء الماضي، لا تستطيع ان ترى بريطانيا الا طرفاً في حلف «انكلوساكسوني»، لذا انبرت لتتصدر موقع الدفاع عن «المعسكر المقابل»، على أمل استنهاض «محور ممانعة» اوروبي، مستغلة فرض واشنطن أخيراً غرامات ببلايين الدولارات على مصرف «بي ان بي باريبا»، لتعاملاته مع كوبا وايران والسودان التي تخضع لحظر اقتصادي أميركي، فيما يواجه مصرفان فرنسيان آخران هما «سوسييتيه جنرال» و «كريدي اغريكول» عقوبات مماثلة للاسباب ذاتها.
يستنتج الرئيس الروسي بدهاء، ان العقوبات الاميركية على المصارف الفرنسية، هدفها دفع باريس الى العدول عن صفقة تسليم موسكو سفناً حربية متطورة من طراز «ميسترال»، في صفقة تقدر ببلايين الدولارات، يؤدي الغاؤها الى صرف مئات العمال الفرنسيين من وظائفهم.
من هذا الباب، يصبح في الامكان تحميل السياسات الاميركية وزر الازمات الاقتصادية التي تعانيها دول اوروبية «بات مسؤولوها يفهمون أكثر فأكثر انه يراد استخدام اوروبا لمصلحة طرف ثالث، وان تتحول رهينة لمقاربات ايديولوجية»، وفق تعبير بوتين الذي يدرك ان الاوروبيين الذين تنحصر اهتماماتهم في أمنهم ورخائهم الاقتصادي، يعتريهم توجس من تداعيات المساس بما رسمته «سايكس- بيكو» في الشرق الاوسط.
لذا ينتقل الرئيس الروسي ببراعة الى الحديث عن «عرقنة» اوكرانيا وواجب التصدي لها، مبرراً بذلك وفي شكل غير مباشر، مواقفه الممانعة في سورية، ومستغلاً الشكوك في ان الاستراتيجية الاميركية تتحمل مسؤولية ظهور «داعش» وظاهرة «الجهاديين» التي تثير حال استنفار في اكثر من دولة اوروبية، حيث باتت قضية «العائدين من سورية» تمثل قلقاً أمنياً بالغاً.
يتماهى ذلك مع تحليلات أخذت تحذر من ان نمط التشدد الذي يتبعه تنظيم «داعش» وامتدادته الاقليمية وصولاً الى شمال افريقيا ومنطقة الساحل حيث تتوالى المبايعات له من جانب التنظيمات «الجهادية»، لا يشكل خطراً فحسب على دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وخصوصاً فرنسا المتورطة في حروب ضد التكفيريين في دول افريقية عدة، بل من شأن هذا النمط «الداعشي» ايضاً، تأجيج صراعات مذهبية في المنطقة، بما يهدد بتفتيتها وابقاء اسرائيل الدولة الوحيدة المقتدرة في محيطها.
من الواضح ان في الخطاب الروسي محاولة لتأليب الرأي العام الاوروبي ودغدغة مشاعر كثيرين في المنطقة والعالم، يعتقدون ان السياسة الاميركية لم تنجح سوى في تغذية التطرف والعداء للغرب.