خاص اكس خبر – في بقاع لبنان الشمالي تغيب العصبية القبلية ردحا من الزمن لتعود وتطل برأسها عند وقوع اول حادث فردي، فتستنهض عشائر البقاع العصبية لتنادي بالثأر لمقتل ابنها من دون العودة الى الاسباب والنتائج ومن دون معرفة القاتل. يكفي تلك العشائر ان ترى ابنها قتيلا لتعلن حربها على العشيرة المتهمة بالقتل.
هي قصة قديمة جديدة، ولم تستطع حتى الحروب المندلعة في المنطقة بالاضافة الى خطر داعش والارهاب ان يحد من هذه العصبية او يلجمها.
منذ ايام قتيل يسقط في البقاع ينتمي الى احد العشائر. وعشيرة بأكملها مؤلفة من الاف الاشخاص متهمة بهذا القتل، وباتت هدفا مشروعا للانتقام.
العشيرتان يتجهزان للحرب، والدافع هو “الثأر”.
ذاك الثأر الذي يُعتبر من أسوأ العادات الاجتماعية الموروثة التي تهدد امن وسلم البقاع وتؤدي الى سفك الدماء، وبدلا من قتيل يسقط العديد من القتلى اذا ما اندلعت فعلا الحرب بين الطرفين.
مساع عديدة حزبية وسياسية تحاول تدارك الحادث واحتوائه منعا لاضافة مشاكل على منطقة تضج اصلا بالمشاكل الامنية وبتغلغل داعش في جرودها.
لكن المشكلة تكمن في الافكار التي ما زال يحملها شباب هذه المنطقة وفي قدرة العشيرة على استنهاض العصبية في صفوف شبابها والعودة بهم الى زمن الجاهلية والى حمل السلاح في دولة يسودها القانون، ولم يستطع المستوى الثقافي والعلمي الذي وصل اليه شباب هذه العشائر (ومعظمهم من خريجي الجامعات)، الحؤول بينهم وبين هذه الافكار العصبية.
واذا تطرقنا الى مشكلة الثأر على الصعيدين الاجتماعي والديني لأدركنا بشاعته وضرورة نبذه.
فدينيا، الثأر لا يغدو كونه عصبية جاهلية لا تمت الى الاسلام بصلة وهو يستهدف ابرياء لا علاقة لهم بالقتل ولا بالقاتل لكن ذنبهم هو قرابتهم من المجرم.
أما القصاص في الاسلام، فهو حكم الله الذي شرعه ويقوم على قتل القاتل الذي ثبت ارتكابه للجريمة بعد محاكمة شرعية عادلة يَثْبُتُ مِنْ خلالها بيقينٍ أنَّ هذا هو الذي قَتَلَ فلاناً
أما على الصعيد الاجتماعي، والمدني تحديدا، فلم يعد حتى القصاص يتلاءم مع مفهوم دولة يحكمها قوانين وتقوم بمعاقبة المجرم.
فأي قاتل في دولة مدنية يخصع للمحاكمة العادلة التي على ضوئها يتم اصدار الحكم بحقه بدءا بالسجن وانتهاء ربما بالاعدام.
أما الثأر في ظل دول مدنية، فتقوم بتنفيذه القبيلة بأكملها ودون أن يكون هناك دليل قاطع بأن فلاناً هو الذي ارتكب هذه الجريمة، تماما كما يجري اليوم في البقاع اذ ان هناك بعض الاحاديث التي تقول ان لا علاقة للعشيرة الثانية بقتل ابن العشيرة الاولى.
ومن هنا، ورأفة بمجتمعاتنا وبعائلاتنا، وبواقعنا المأساوي اصلا، فإنه يتوجب على المجتمع المدني ان يساعد في لجم هذه الظاهرة، وفي توعية الشباب على مفهوم الدولة المدنية ومتطلباتها والابتعاد عن المخاطرة بأرواحهم في سبيل العصبية العشائرية التي لن تنفعهم في الدنيا، ولا في الاخرة. فلنثأر من الاخذ بالثأر، وننتقم منه وندفنه الى الابد.