احمد الشرقاوي من مصر -اذا كان سقوط سورية حاجة استراتيجية تخدم مصالح امبراطورية الشر والإرهاب الأمريكية في المنطقة، وتخدم أمن واستقرار “إسرائيل” بالنهاية، فإن بقائها بفضل صمود قيادتها ونظامها وجيشها وشعبها ودعم حلفائها يمثل بحق ضمانة لأمن المنطقة والعالم، فمن أتون الحرب على الإرهاب قررت روسيا والصين وإيران اليوم صناعة نظام عالمي جديد رغما عن أنف قوى الاستكبار..
وإلا، كيف يمكن أن نفسر ما يحصل اليوم في العالم من تحولات كبرى بسبب سورية تحديدا؟.. ثم هل يمكن أن يكون التدخل الروسي والصيني بالتنسيق مع الإيراني في سورية والعراق جاء بمباركة أمريكية كما يروج لذلك البعض، بالرغم من إدراكنا جميعا، أن هدف هذا التدخل بالنهاية هو تقويض هيمنة الولايات المتحدة الأحادية الجانب على العالم من مدخل محاربة الإرهاب؟..
فدخول روسيا بثقلها العسكري في سورية مثلا، غير المعادلات وقلب موازين القوى في المنطقة، وأزاح من الواجهة الوجوه الكالحة للأدوات الإقليمية الحقيرة التي كانت تتصدر مشهد الخراب في سورية كـ “السعودية” و”إسرائيل” وتركيا وقطر والأردن..
لكن حضور روسيا في المشهد السوري وإن كان أجبر أمريكا وحلفائها وأدواتها على تغيير الخطاب وتعديل تكتيكي في الإستراتيجيا العسكرية، إلا أنه لم يرغمهم على القبول بالمعادلة السياسية الروسية – الإيرانية التي تستثني مصير الرئيس الأسد من النقاش حول الحل في سورية، كما أنه لم يقنعهم بالقبول بأولوية محاربة الإرهاب قبل الحديث عن الخارطة السياسية الجديدة لمستقبل سورية، لأن الإرهاب بالنسبة لأمريكا التي صنعته واستثمرت فيه لتحقيق أهدافها الانتهازية لا يعتبر أولوية في سلم الأخطار التي تتهددها..
لكن ما أن بدأ الحديث التكتيكي في الغرب عن القبول بمحاربة الإرهاب بالتوازي مع الحل السياسي، على أن يترأس الأسد المرحلة الانتقالية بسلطات رمزية.. حتى نزل خبر دخول التنين الصيني أتون الحرب على الإرهاب في سورية كالصاعقة، حيث دخلت حاملة الطائرات (لياونينغ) بمعية بوارج قاذفة للصواريخ مرافقة لها إلى ميناء طرطوس السوري، بالإضافة إلى قرابة 1000 من خبراء المارينز الصيني، الذين سيعملون على الأرض السورية إلى جوار القوات الإيرانية والروسية ضد تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الإرهابية…
وبحسب تقارير إسرائيلية، لم يبلغ الرئيس الروسي ‘بوتين’ زائره الصهيوني “النتن ياهو” والوفد العسكري والاستخباراتي الرفيع الذي رافقه مؤخرا إلى موسكو عن تحرك المارد الصيني الجديد وقرار مشاركته في الحرب على الإرهاب في سورية، معتبرة أن وصول حاملة الطائرات الصينية يعني: أن “الصورة الإستراتيجية في سوريا والمنطقة تغيرت بالكامل، حيث أن الدعم الإيراني والروسي للرئيس بشار الأسد يختلف تماما عن كون الصين أحد الأطراف الجديدة في هذا الدعم”..
التقارير الإسرائيلية التي تناولت هذا المستجد بالتحليل السبت، أشارت إلى أن هذا التواجد الملفت للدب الروسي والتنين الصيني في سورية، يغير الموقف الإستراتيجي والعسكري الإسرائيلي جملة وتفصيلا، ويدعم قرار الزعيم الإيراني ‘علي خامنئي’ بتحويل الاتفاق النووي مع واشنطن إلى أداة لـ”عزل الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط سياسيا وعسكريا واقتصاديا”، على خلاف المزاعم الأمريكية بشأن الاتفاق التاريخي الذي يصب في مصلحة واشنطن كما كان يردد الرئيس ‘أوباما’ كمغفل..
أما لماذا قررت الصين دخول الحرب على الإرهاب في سورية دون مواربة، فتجذر الإشارة إلى أن قرابة 3500 متطرف ‘أويغوري’ صيني انتقلوا مع عائلاتهم في آب/ أغسطس الماضي إلى ‘الزنبقي’ في ريف ‘جسر الشغور’، ونسبت إليهم سلسلة من العمليات الانتحارية والهجمات ضد مواقع النظام السوري، كما أن “الحزب الإسلامي التركستاني” المنادي بالانفصال عن الصين يضم مقاتلين من ‘الأويغور’ المسلمين الذين يقطنون إقليم (شينجيانغ) غربي الصين، وهو الإقليم الذي اشتهر بإرسال مقاتلين إسلامويين إلى سوريا، وتقول تقارير إسرائيلية، أن الكثير منهم انضموا إلى حركة “أحرار الشام” إحدى أدرع “الإخوان المسلمين” في سورية.
فهل هذه هي المفاجأة التي سبق وأن بشر بها السيد وليد المعلم قبل أيام من دون أن يفصح عن طبيعتها؟.. وهل لهذا السبب كانت دمشق تتجنب الحديث عن مشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب وتعتبر ما تقوم به موسكو استمرارا لدعمها الذي لم ينقطع منذ سنوات؟.. ربما، قد يكون الأمر من باب واستعينوا على قضاء أموركم بالتكتم..
لكن كل المؤشرات تؤكد أن ما يرتسم في الأفق المنظور لم تكن تتوقعه واشنطن وحلفائها وأدواتها حتى في أسوء كوابيسهم، وكل ما يقال عن تنسيق روسي أمريكي أفضى لدخول الروسي الحرب على الإرهاب في سورية والعراق لا أصل ولا فصل له من الصحة، ولا يعدو أن يكون مجرد تكهنات لمحللين مسكونين بهاجس القوة الأمريكية التي أكدت الحرب في أفغانستان والعراق وفي سورية أيضا أن لها حدود لا تستطيع تجاوزها..
المعلومات الإسرائيلية تقاطعت حد التطابق مع ما أورده الموقع الروسي “برافـدا.رو” السبت أيضا، والذي نقل عن السيناتور ‘إيغور موروزيف’ عضو مجلس الاتحاد الروسي قوله، إن “الصين قررت رسميا الانضمام إلى العملية العسكرية في سورية لمحاربة الإرهاب”..
ولا يحتاج الأمر لكثير ذكاء ليفهم أن هذا القرار وإن كان مفاجئا، إلا أنه يخدم هدفين أساسين:
* الهدف الأول، خوض حرب استباقية للقضاء على المقاتلين الصينيين والقوقازيين والتركمانستانيين وبشكل خاص الشيشانيين الذين تحضرهم أمريكا بمساعدة تركيا لزعزعة الاستقرار في روسيا والصين ومنطقة القوقاز بعد الانتهاء من سورية، وهو ما يعتبر دفاع استباقي عن الأمن القومي الصيني والروسي..
* الهدف الثاني، تغيير النظام العالمي الأحادي الحالي بنظام جديد متعدد الأقطاب، نظرا للنزاع الخطير القائم اليوم بين الصين وأمريكيا في منطقة آسيا، وسعي واشنطن لمحاصرة التنين الصيني سياسيا واقتصاديا كما فعلت مع روسيا بعد الأزمة المفتعلة في أوكرانيا.
لكن هذا ليس كل شيئ، فلا تزال في جعبة الحاوي الروسي مفاجآت أخرى ستغير وجه المنطقة والعالم، لأنه من المنتظر أن تنخرط قريبا في الحرب على الإرهاب قوات جديدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (OTSC) التي تضم بالإضافة إلى روسيا كل من بيلاروسيا وأرمينيا وكازخستان وطاجكستان. وتقول معلومات أن قرارا رسميا قد اتخذ منصف شهر أيلول/ستنبر الجاري، يقضي بانتشار قوات من هذه البلدان في العراق وسورية لمحاربة الإرهاب على الأرض.
كما أنه من المتوقع أن تعلن إيران عن التشكيلات الجديدة التي ستنخرط بها في الحرب على الإرهاب في سورية والعراق بعد اجتماعات الأمم المتحدة، بالتزامن مع إعلان روسية انطلاق العمليات العسكرية بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة متم هذا الشهر، سواء نجحت في استصدار قرار أممي لحلف دولي أم لم تنجح..
إلى ذلك، كشف تقرير أعدته وكالة الصحافة الفرنسية الرسمية هذا الأسبوع، أن قوات الدفاع الوطني السوري تتشكل اليوم من 90 ألف مقاتل.. و”كتائب البعث” التي تضم حوالي 10 ألف مقاتل تابعين لحزب الرئيس.. و”صقور الصحراء” التي تضم 7 ألف مقاتل تم تدريبهم من قبل ضباط إيرانيين خصوصا على طرق نصب الكمائن للمجاميع الإرهابية.. و”نسور الزوبعة” ويبلغ عديدهم 6 ألق مقاتل من الحزب السوري القومي الاجتماعي.. وقوات “قادش” (قوات الأمن والدعم الشعبي) المكونة من 6 ألف مقاتل يتبعون للحرس الجمهوري السوري من بينهم عدد كبير من المنشقين عن الجماعات المسلحة التي كانت تقاتل الجيش العربي السوري.. و”درع الساحل” الذي يضم عددا غير معروف من المسلحين غالبيتهم من الطائفة العلوية التي ترابط في ريف اللاذقية الشمالي.. و”درع العرين” الذي يضم مقاتلين من ‘القرداحة’ التي ينحدر منها الرئيس السوري.. و”مجموعة الحصن” التابعة لرجل الأعمال رامي مخلوف والتي تضم في صفوفها 6 ألف مقاتل.
أما الحرس الثوري الإيراني، فينتشر حوالي 7 ألف مقاتل في جبهة ريف حلب وفق الدراسة الفرنسية.. بالإضافة لحوالي 7 إلى 8 ألف مقاتل من حزب الله يتوزعون في معظم المناطق الساخنة، وبوجه خاص على الحدود السورية اللبنانية.. أما “كتائب أبو الفضل العباس” فتتكون من حوالي 3 ألف مقاتل لحراسة المراقد المقدسة، فضلا عن مجموعة “الفاطميون الأفغان” في درعا بتشكيلة من حوالي 3 ألف مقاتل.
وتجذر الإشارة إلى أن الأرقام التي أوردتها الوكالة الفرنسية، هي تقريبية ولا تمثل الأرقام الحقيقية للمقاتلين في سورية، كما أنه لا يعرف بالتحديد عديد الجيش العربي السوري اليوم، ولا عديد المقاتلين الإضافيين، السوريين والعراقيين والإيرانيين ومن حزب الله الذين سيتم ضخهم في المعارك المقبلة بسورية والعراق، لكن كل المؤشرات تدل على أن المعركة ضد الإرهاب ستكون حاسمة بحيث لن يجد المرتزقة ما يتنفسونه في فضاء سورية والعراق غير دخان الموت الزؤام.. والهدف، هو إثبات أن الحرب على الإرهاب تكون فعالة، ناجعة، وقصيرة عندما تتوفر الإرادة والنية الصادقة، وهو ما يكذب مقولة أن الحرب على الإرهاب تتطلب من 5 إلى 10 سنوات، وهناك من تحدث عن 20 و 30 سنة.
*** / ***
لقد تحولت دمشق اليوم إلى عاصمة الكون تطرق أبوابها قوى الشرق والغرب، والكل يريد أن يظفر بها عاصمة خالصة له دون سواه، ودمشق عصية على التدجين والاحتواء، ترفض الخضوع حتى لأقرب حلفائها، تصر على حريتها وسيادتها واستقلال قرارها، لأنها تعلم أن العالم هو من يحتاج إليها لا العكس، وأن سقوطها يعني سقوط القيم والحضارة وسقوط الإنسانية..
سورية كانت ولا زالت وستظل مفتاح السلم والحرب في العالم، يطمع فيه الغرب والشرق، يخطب ودها الجميع دون أن ينجح أحد بالظفر بها، هي من ترسم المعادلات، وهي من تقرر التحالفات، وهي من تقود المعارك على الأرض لترسم الخطوط الحمراء..
عرض عليها الأعراب مليارات الدولارات مقابل الإندماج في منظومتهم الصهيونية فرفضت، عرضت عليها أمريكا الجولان وغض الطرف عن حكم النظام مقابل التوقيع على اتفاقية استسلام مع الكيان الصهيوني المجرم، فرفضت..
تحالفت مع إيران حين أدركت أن هذا المارد الإسلامي الصاعد يزن المصالح بميزان الأخلاق، وأنه لا يسعى للهيمنة على قرارها أو التدخل في شؤونها، بل فقط التحالف معها من أجل مواجهة “إسرائيل” العدو المشترك..
سورية لم تعتبر يوما حزب الله حزبا لبنانيا حليفا فحسب، بل مكون من مكونات الشام الممزقة بفعل الاستعمار، لذلك تعتبر أن ما يربطها بهذا التنظيم المقاوم الشريف يفوق الوصف، إنه قمة الوفاء والإخلاص والتضحية في معركة الوجود والمصير المشترك كما أكد الرئيس الأسد..
سورية لن تكون أمريكية ولا صهيونية، كما أنها لن تصبح بين عشية وضحاها روسية أو صينية، وقطعا لن تتحول إلى إمارة عثمانية أو مشيخة أعرابية وهابية، سورية لها هوية كونية لا شرقية ولا غربية، يجد الجميع فيها نفسه وكنه ذاته، شيئ من ماضيه وبعض من حاضره ومفاتيح ألغاز مستقبله..
مليارات الدولارات أنفقت لتدمير سورية في مؤامرة اجتمع لها العالم الغربي والعربي، فلم تبقى مخابرات إلا وشاركت في المكر، ولا تكفيري على امتداد جغرافية العالم إلا وانخرط في حفلة القتل والخراب، ولا إعلامي انتهازي إلا وانغمس في مهرجان الكذب والتزوير والتضليل لتشويه سمعة الرئيس الأسد والجيش العربي السوري الذي قالوا عنه أنه جيش الأسد العلوي الناصري، فيما الحقائق تؤكد أنه جيش سورية الوطن لأن 70 % من مكوناته هم من السنة والدروز والمسيحيين..
لهذا، لم تنجح حملات التحريض الطائفي في زعزعة عقيد الجيش الوطنية والقومية الراسخة، ولم تفلح محاولات الفتن المذهبية في جره إلى حرب دينية مع مرتزقة لا عقيدة لهم سوى القتل والنهب والسلب والفساد في الأرض من أجل الغنيمة خدمة لأسيادهم في واشنطن والرياض وتل أبيب.
عانت سورية كثيرا، وقدمت التضحيات الجسام، ودفعت الأثمان الباهظة، لكنها اليوم تقف برغم الخراب منتشية بعزتها التي لا تقدر بثمن، كل شيئ يهون في سبيل سورية إلا الكرامة، فإذا فقدتها فقد العالم بكارته وتحول إلى عاهرة لا شرف ولا أخلاق ولا قيم لها.
لقد انتهت اللعبة أيها السادة، وخرج الوكلاء من الساحة حين دخل أسياد العالم الجديد ساحات الحرب على الإرهاب في المنطقة.. بلع أردوغان لسانه ورمى وراء ظهره كل أوهامه ولم يعد له من شغل شاغل سوى آلام السرطان الذي يمزق أمعائه..
نذب آل سعود حظهم العاثر بعد أن سقط رهانهم على الزعامة العربية على أنقاض ليبيا والعراق وسورية، حتى السماء لم تسعفهم وكشفت إجرامهم في موسم الحج الأخير، لتسقط عنهم شرعية خدمة الحرمين الشريفين بشكل لم يعرف له تاريخ المسلمين مثيلا، والقادم أعظم..
أما قطر، فلم يعد أمامها من سبيل سوى غلق دكان العهر الإعلامي والنعيق السياسي وطرد ما تبقى من مهرجين في محطة الجزيرة، فما عاد أحد يتابع ما تبثه هذه القناة الفاسدة من سموم، وأصبحت قناة الميادين تتربع على عرش الإعلام في المنطقة..
أما الأردن، فمعايدة قائد الجيش الأردني لقائد الجيش العربي السوري وتحميل المخابرات مسؤولية العبث بأمن سورية لن تعفي النظام “الهاشمي” المتصهين في هذا البلد من المسؤولية، والفتنة قادمة لا محالة لترتد عليه كما أشعلها في سورية وإن كنا لا نتمناها للشعب الأردني..
نقول هذا لإيماننا أن من يحاسب اليوم الخونة والعملاء الأعراب المتآمرين هو رب العالمين، لا الرئيس الأسد الذي يسع قلبه العالم أجمع، ولا يفكر في الإنتقام لأنه مقتنع أن رحمة سورية تسع الجميع، وأن سورية من حرصها على من يحبها منحت شرف جنسيتها لكل شريف يدافع عنها ولو بكلمة طيبة أو بالدعاء، وذلك أضعف الإيمان.