يعقد مجلس النواب اليمني جلسة استثنائية، اليوم الأربعاء 23-3-2011، لمناقشة قرار الرئيس علي عبدالله صالح فرض حال الطوارئ في البلاد والتصويت عليه، وسط دعوات من هيئة العلماء وشيوخ القبائل والشباب المعتصمين في الساحات لعدم الموافقة على القرار، الذي يعتبرونه غير دستوري، لعدم وجود قانون للطوارئ في البلاد.
وكان الرئيس اليمني واجه الضغوط المتزايدة عليه بالتحذير من “حرب أهلية” في البلاد، فيما سجلت أول اشتباكات بين الجيش والحرس الجمهوري في الشمال، ما أسفر عن مقتل جنديين، وسط تواصل انضمام عسكريين إلى “ثورة الشباب”.
ونقل مصدر مقرب من صالح استعداده مغادرة السلطة مطلع 2012 بعد إجراء انتخابات تشريعية، إلا أن المعارضة سارعت إلى رفض ذلك والمطالبة برحيله مباشرة. وقال صالح أمام مجلس الدفاع الوطني إن “أي محاولة للوصول إلى السلطة عبر انقلابات ستؤدي إلى حرب أهلية في البلاد”، محذراً من أن “أي انقسامات في القوات المسلحة سينعكس سلباً على كل الوطن”.
وأضاف متوجهاً إلى كبار القادة العسكريين الموالين له “لا ينفع الندم، لأن الوطن أكبر من الأفراد، ومن أماني الأشخاص وكبريائهم”.
وعن الضباط المنشقين، قال صالح إنهم “يتساقطون مثل أوراق الخريف”، لكنه اعتبر أنه “ما زال هناك فرصة ليعودوا للصواب”.
وفي وقت لاحق، أكد مصدر مقرب من الرئيس لوكالة الأنباء الفرنسية أن صالح أبدى استعداده لمغادرة السلطة في بداية العام المقبل، وذلك بعد تنظيم انتخابات برلمانية بنهاية العام الحالي.
إلا أن المعارضة رفضت ولا يزال يواصل مئات الآلاف من اليمنيين التظاهر والاعتصام في ساحات التغيير والحرية في مختلف محافظات البلاد؛ وذلك للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح الذي أعلن، أمس، مبادرة جديدة لانتقال السلطة سلميا، على الرغم من أنه، في حديث شديد اللهجة، وصف ما حدث من انشقاق في صفوف الجيش اليمني بأنه «مخططات انقلابية»، غير أن المعارضة اليمنية وشباب الثورة رفضوا المبادرة الجديدة.
كما قتل جنديان يمنيان في أول اشتباكات بين الجيش والحرس الجمهوري الموالي للرئيس صالح قرب القصر الجمهوري في المكلا (جنوب شرق) مساء الاثنين، كما أفادت مصادر طبية وشهود عيان لوكالة الصحافة الفرنسية، كما أصيب 3 عسكريين في المواجهات في عاصمة حضرموت. واقترح الرئيس اليمني أن يتنحى عن السلطة في 2012، بعد إجراء انتخابات نيابية، وردت المعارضة بالرفض واعتبرت أن زمن المبادرات «انتهى وولى»، وأن على الرئيس صالح الرحيل فورا. وأعلن «شباب الثورة» في «ساحة التغيير» بصنعاء، الجمعة المقبل «جمعة الزحف» على القصر الرئاسي «دار الرئاسة» الواقع في منطقة «السبعين يوما» بجنوب العاصمة اليمنية صنعاء. وأعرب المعتصمون عن عدم خوفهم من سقوط قتلى وجرحى مقابل إخراجه من الحكم، مؤكدين أنهم سيزحفون إلى القصر بـ«صدور عارية»، هذا في الوقت الذي انتشرت فيه الدبابات حول «دار الرئاسة» ووضعت الحواجز الخرسانية لتمنع الدخول إلى المنطقة برمتها.
وإثر انضمام العشرات من قادة الجيش إلى «ثورة الشباب»، أول من أمس، حذر الرئيس علي عبد الله صالح من وقوع حرب أهلية دامية في البلاد، جرَّاء الانشقاقات في صفوف القوات المسلحة والأمن، وقال في كلمة له أمام عدد من القادة العسكريين بصنعاء: إن هناك «ثقافة سيئة خلقت داخل الوطن»، وإنها بلغت ذروتها بأن وصلت إلى المؤسسة العسكرية والأمنية بالانضمام الجماعي إلى الثورة في ساحات التغيير وتأييد مطالب المحتجين. وأضاف: «للأسف الشديد حصل ذلك الموقف والتساقط كما تساقطت أوراق الخريف وأقولها بصراحة للإخوة الضباط إن معظمها ضعف وتقليد، وإرهاب الإعلام أرهبهم فتساقطوا كتساقط أوراق الخريف وسيكونون نادمين وسيكون نادما أي شخص يميل عن الشرعية الدستورية عن النظام والقانون».
وأكد الرئيس اليمني أن «أي تصدع في المؤسسة العسكرية ستكون انعكاساته سلبية، فأي انقسامات ستكون سلبية على الوطن».
وأردف الرئيس صالح أن هناك من يريدون أن «يتسلقوا إلى كرسي السلطة عن طريق الانقلابات»، وأن هناك من يعتقد أن «الأمور ستستقر، فهذا غير وارد، لن يستقر الوطن، ستتحول إلى حرب أهلية، إلى حرب دامية، فيجب أن يحسبوا حسابا دقيقا، الشعب مسلح لا أحد يستطيع لي ذراع أحد ويجيء على كرسي السلطة بالقوة وبالانقلاب؛ فزمن الانقلابات انتهى، فعليهم أن يسلكوا السلوك الحضاري». ودعا صالح القادة العسكريين المنشقين إلى العودة إلى «جادة الصواب وأن يتركوا التحريض وأن يتركوا التواصل مع القادة العسكريين، وعلى القادة العسكريين أن يكونوا محصنين وألا يخضعوا لإرهاب الإعلام أو إرهاب الأشخاص الذي يقله الحق الجمالة.. الأمور انتهت خلاص»، وقال إن عليهم «العودة والاعتذار، لا ينفع الندم، لا ينفع الندم؛ لأن الوطن أكبر من الأفراد وطموحات الأشخاص ومن أنانية الأشخاص ومن كبرياء الأشخاص، أنتم تنفذون أجندة خارجية».
وتطرق الرئيس اليمني، في كلمته، إلى مخططات وأجندات منها: «عودة الإمامة» في شمال البلاد، وأجندة في الجنوب لـ«الانفصال»، وقال: «إذا بقي هذا المثلث يتصارع فإنه سيقدم هذه المشاريع على طبق من ذهب للذي يريد أن يتمرد في الشمال والذي يريد أن يتمرد في جنوب الوطن، إذن كيف ستحكمون؟ هل على تمزيق الوطن؟ نحن قدمنا ضحايا من أجل وحدة الوطن، من أجل استقرار الوطن، من أجل لم الأسرة اليمنية الواحدة، وشكلت نموذجا رائعا». وأكد أن الذين «يتساقطون كأوراق الخريف»، يقولون للقادة الآخرين في الجيش «أنتم سائرون إلى الجحيم»، أما بشأن الشباب المعتصمين في الساحات، فقال إنهم «ضحايا لقوى سياسية عتيقة كلها قوى سياسية متناقضة على بعضها هدفها السلطة، وبعد الوصول إلى السلطة سيتناحرون فيمن بينهم، لا الإخوان المسلمون يقبلون بالشيوعيين ولا الناصريون يقبلون بالإخوان المسلمين ولا الحوثيون يقبلون بالإخوان المسلمين ولا أحد يقبل بأحد، كل منهم عنده أجندته، الهدف: يريدون النظام».
وفي وقت لاحق من مساء أمس، وبعد التصريحات الخاصة بـ«شباب الثورة»، صدر تصريح صحافي لمصدر في رئاسة الجمهورية، أكد فيه «تعاطف» صالح مع «مطالب الشباب وقضاياهم وتطلعاتهم المشروعة»، وقال المصدر: «إن رئيس الجمهورية يدعو الشباب إلى الحوار الشفاف والصادق والمفتوح وبعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار»، وإنه «ينظر إلى ما قام به الشباب النقي تجديدا لروح الثورة اليمنية وتحفيزا لحيوية النظام الديمقراطي التعددي إذا لم تختطف الأحزاب والقوى المتربصة روح تطلعاتهم الإصلاحية السلمية في إطار الشرعية الدستورية والاستقرار وتنحرف بها عن أهدافها ومقاصدها النبيلة».
ويقول مراقبون: إن الرئيس علي عبد الله صالح بات هذه الأيام شبه معزول في «دار الرئاسة» بعد أن انهالت الاستقالات من نظامه من كل حدب وصوب؛ حيث استقال أكثر من 80% من السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي في الخارج، احتجاجا على قمع المتظاهرين ومقتل العشرات برصاص القناصة، الجمعة الماضي، وتتواصل إعلانات الانضمام إلى «الثورة» بصورة مكثفة، ففي كل دقيقة، تقريبا، يعلن عن استقالة شخص ما وانضمامه إلى المعتصمين، ولعل الوضع المحرج كثيرا هو أن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، الذي يرأسه صالح، بات شبه منقسم ويعاني الانشقاق، بعد أن استقال العشرات من ممثليه في مجلس النواب (البرلمان)، إضافة إلى العشرات من القيادات البارزة سياسيا وتنظيميا، ولم تعد الساحة اليمنية تشهد أي تحركات سياسية أو إعلامية لقيادات الحزب المتبقية، وصدر قرار رئاسي، ليل أمس، بعزل الدبلوماسيين الذين استقالوا أو «ثبت خروجهم عن الشرعية واستبدال آخرين بهم».
في هذه الأثناء، دعا الشباب المعتصمون، ومعهم أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك»، أعضاء البرلمان إلى عدم المشاركة في الجلسة المقررة اليوم (الأربعاء) لمناقشة وإقرار حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس صالح، الجمعة الماضي، واعتبار نداء المناشدة المشاركة في تلك الجلسة والتصويت لصالح حالة الطوارئ، بأنه «مشاركة في الجريمة»، وتنص المادة (121) من الدستور اليمني على أن «يعرض القرار الجمهوري بإعلان حالة الطوارئ على مجلس النواب خلال الـ7 أيام التالية لإعلان القرار»، ويتوقع مراقبون أنه في حال إقرار البرلمان لحالة الطوارئ، أن يقدم الرئيس صالح على فرض حظر تجوال واتخاذ جملة من الإجراءات الأمنية التي يقول المراقبون إنها ستعجل بسقوط النظام، حسب اعتقادهم.
كما أدان مجلس الجامعة العربية، على مستوى المندوبين، أمس، في القاهرة «الجرائم بحق المدنيين» التي ترتكب في اليمن وحض السلطات اليمنية على «التعامل مع مطالب شعبها بالطرق السلمية». وقال مجلس الجامعة في بيان إنه «يدين بشدة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين ويؤكد ضرورة تضافر الجهود من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية واحترام الحق في حرية التعبير» في اليمن. ودعا أيضا إلى «الاحتكام إلى الحوار وأساليب العمل الديمقراطي في التعامل مع مطالب الشعب اليمني بالطرق السلمية».
وأخذت التطورات في اليمن منحى جديدا بعد انضمام وحدات ومناطق وألوية عسكرية بكاملها إلى «ثورة الشباب» المطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة بعد 33 عاما فوق كرسي الرئاسة، فبعد انضمام الرجل القوي في الجيش، اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، قائد الفرقة الأولى مدرع، تبعه عدد غير قليل من قادة الجيش، منهم قائد المنطقة العسكرية الشرقية، اللواء محمد علي محسن، ثم قادة ألوية ومحاور عسكرية في طول البلاد وعرضها. وقامت وحدة خاصة في الحرس الجمهوري، أمس، بحصار معسكر قاعدة الدفاع الجوي في محافظة الحديدة في غرب البلاد، وذلك بعد إعلان قائد وأفراد المعسكر انضمامهم للثورة، وحتى لحظة كتابة هذا الخبر لم تتوافر أي معلومات عن حدوث مواجهات بين القوتين العسكريتين. ويعتقد مراقبون أن حدوث مواجهات مسلحة أمر غير مستبعد، عندما يحاول النظام السيطرة على ما تبقى من الجيش، بعد الضربة القاصمة التي تلقاها النظام بانضمام عشرات القادة العسكريين إلى الثورة في يوم واحد.
ويوميا تستقبل ساحات التغيير، التي يعتصم فيها عشرات الآلاف من الشباب للمطالبة برحيل النظام، العشرات من ضباط الجيش والأمن الذين يعلنون استقالاتهم والتحاقهم بشباب الثورة ومطالبهم.
ويتكون الجيش اليمني من قوات برية وبحرية وجوية، كما هو الحال في بقية الجيش، لكنه في تقسيمه يقوم على قوتين أساسيتين، بريا، هما: الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، التي يقودها نجل الرئيس العميد أحمد علي عبد الله صالح وهي قوة على قدر كبير من التأهيل والتسليح وتمتلك مروحيات عسكرية قتالية وللنقل، ويشرف على تأهيلها الأميركيون ويمدونها بالتجهيزات اللازمة، خاصة وحدات مكافحة الإرهاب المتخصصة وفي إطار تعاون اليمن والولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب.
أما القوة الثانية فهي الفرقة الأولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر، وفي إطار هذه الفرقة ألوية عسكرية تنتشر في المناطق الشمالية والغربية من البلاد، وهي المناطق الخاضعة لقيادة اللواء الأحمر نفسه، ولعل هذا ما يفسر سرعة انضمام قادة تلك الألوية إلى الثورة، أسوة بالأحمر.
وبحسب المراقبين، يمكن القول: إن المناطق الشمالية والغربية والشرقية من البلاد باتت عسكريا تحت سيطرة علي محسن الأحمر ولم يعد للرئيس علي عبد الله صالح أي سلطة على قادتها، وذلك في ضوء ما أعلنه اللواء الأحمر، الذي أكد أن قواته ستحمي المناطق التي تسيطر عليها، إضافة إلى حماية ساحات الاعتصام في تلك المناطق.
وإزاء هذا المشهد الانقسامي في الجيش اليمني، هناك مخاوف من اندلاع حرب داخلية من أجل السيطرة على الألوية المنشقة، باعتبار ما حدث تمردا عسكريا، من وجهة نظر النظام، ويقول مراقبون ومحللون: إن الحرس الجمهوري سيكون الوسيلة الوحيدة لدى صالح ونجله في معركتهما المقبلة.. هذا إذا لم يحدث المزيد من المفاجآت.