الزواج من الوظيفة.. خطر يهدد الصحة والأسرة

الطموح حق طبيعي لكل انسان، والعمل الدؤوب لتحقيقه أيضا حق لا غبار عليه،
لكن عندما يصبح العمل في المرتبة الأولى ويصبح كل شيء آخر في المرتبة
الثانية، فهذا ما يطلق عليه المتخصصون «إدمان العمل»، وهو مثل أي إدمان
آخر لا يهدد الصحة فقط إنما الأسرة أيضا، التحقيق التالي عن المتزوجين من
الوظيفة.

في البداية يقسم الاستشاري النفسي د. كاظم أبل المتزوجين
من الوظيفة إلى نوعين: الأول فضل العمل على الزواج، والثاني متزوج فعلا
لكنه يقضي وقته بعيدا عن الأسرة في أحضان الزوجة الثانية: الوظيفة، وكلا
النوعين يعيشون في خطر، لماذا؟


يجيب د. أبل:

– من واقع الخبرة
والتعامل مع بعض حالات القلق والاكتئاب، اكتشفت أن سبب معاناة البعض انهم
يعتبرون أنفسهم جزءا من العمل أو الوظيفة. والاهتمام بالعمل شيء جميل، لكن
تنشأ المشكلة عندما يتوحد هذا الشخص مع وظيفته ويعتبرها بمنزلة الحب
والزوجة، هنا يتحول الأمر إلى إدمان. ويوجد مصطلح علمي يطلق على هذه الفئة
هو «مدمن العمل».

ما يحدث أن يوم هذا الشخص يتحول إلى عمل بالكامل، فلا
شيء في حياته إلا العمل، ولا يقوم بأي نشاط إلا إذا كان له علاقة به.
والخطير أن هذا الشخص يتقوقع بالكامل داخل العمل، وبالتالي تتحول حياته
خارجه إلى ما يشبه العزلة الاجتماعية التامة، فلا أصدقاء ولا ممارسة
للهوايات. وإن كان غير متزوج لا يهتم بالبحث عن زوجة وتكوين أسرة لأنه
ببساطة حسم خياراته وتزوج الوظيفة، وإذا كان متزوجا قد يهمل زوجته
وأطفاله، فلا وقت لديه لرعايتهم. وقد يكون إدمان العمل سببا منطقيا لوقوع
الطلاق وانهيار الأسرة.
معاناة وأمراض نفسية

• لكن لماذا يعشق البعض وظيفته إلى هذا الحد؟



مثل هؤلاء الأشخاص يعيشون معاناة حقيقية، ويشعرون بها اكثر عندما يتقاعدون
أو يصلون إلى سن يشعرون فيه أن عليهم التوقف والخلود إلى الراحة، فالمشكلة
أن هذه النوعية التي عاشت على العمل طوال سنوات حياتها تجد نفسها معزولة
بين جدران أربعة، وهو ما يسبب لها الأمراض النفسية وعلى رأسها الاكتئاب.

أما
لماذا يعشق البعض وظيفته إلى هذه الدرجة المرضية؟ فعلم النفس يقول ان وراء
ذلك أسباب عديدة، فليست الرغبة في النجاح وحدها وراء الأمر، لأن هناك
موظفين ورجال أعمال ناجحون في أعمالهم، يعيشون في الوقت نفسه حياتهم
الاجتماعية ويكوّنون صداقات بشكل سوي، بل نجد أنهم يقدرون العطلة
الأسبوعية لأنهم يعرفون أنها بمنزلة شحن لبطارية أجسادهم وطاقتهم.

لكن
قد يكون وراء الزواج من الوظيفة أسباب أخرى، فالبعض قد يعاني نقصا ما في
جانب من جوانب شخصيته، يقوم بتعويضه من خلال إدمان العمل إلى أقصى درجة.
وقد يكون هذا العشق للوظيفة بمنزلة الهروب من البيت، فبعض المتزوجين ممن
يعانون مشاكل عائلية مع زوجاتهم يجدون في العمل الملاذ الآمن بعيدا عن
الخلافات الموجودة في البيت.

وقد يكون وراء الأمر وجود فراغ كبير لدى
الرجل والمرأة، خاصة من غير المتزوجين والمتزوجات، ولا يجري تعويضه إلا
ببذل طاقة مضاعفة في العمل والاختلاط بالآخرين. هؤلاء يصابون برعب من
الفراغ، وإدمان العمل يبدد هذا الرعب.

النصيحة التي أوجهها لهؤلاء: احب
عملك كما تريد، لكن في الوقت نفسه يجب أن تتوقف قليلا لتلتقط أنفاسك وتخلد
إلى الراحة وتبحث عن الاسترخاء لو لفترة بسيطة، لأن العمل المتواصل ليلا
ونهارا يولد الكثير من الضغوط النفسية التي تظهر عادة من خلال الإفراط في
العمل والجلوس لفترات طويلة أمام المكاتب وشاشات الكمبيوتر.

معرضون لأمراض القلب


استشاري الأمراض الباطنية د. عبد النبي العطار يقول ان هذا الزواج مثل بقية أنواع الإدمان يهدد الصحة ويجب علاجه فورا:


كلنا نعرف مصطلح الإدمان، فهناك على سبيل المثال مدمن المخدرات ومدمن
الخمر، لكن هناك نوع من الإدمان لا يقل خطورة عن الأنواع الأخرى وهو إدمان
العمل.

في اليابان مثلا فرضوا على الموظفين أخذ اجازة إجبارية
ليخلصوهم من هذا النوع الخطير من الإدمان، وعندما وضعت التشريعات لتحديد
ساعات العمل أو أخذ عطلة أسبوعية، فإن ذلك لم يأت اعتباطا إنما نتيجة
لدراسات وخبرات طويلة. فالإنسان الذي لا يعيد شحن جسده وتأهيله عن طريق
الراحة والعطلة لن يعطي عمله أفضل ما عنده.

كما أن الذي يدمن العمل ليس شرطا أن ينتج أكثر من الذي يأخذ راحة ويرفه عن نفسه ويستمتع بالحياة ويوازن بين العمل والحياة.

• لكن ما الذي يحدث لهؤلاء المدمنين على العمل؟



هذا الأمر يتوقف على صحة الإنسان وعلى نوعية العمل الذي يقوم به وعلى
نوعية العادات المصاحبة له. فالعمل الزائد يولد الكثير من الضغوط وهو ما
يؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض، خاصة اذا صاحبته بعض العادات السيئة مثل
التدخين بشراهة وتناول المنبهات وعدم الحركة وتناول الطعام في مقر العمل،
هؤلاء معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بقرحة المعدة وارتفاع السكر والضغط
وأمراض القلب وتصلب الشرايين وسرطان الرئة.

وقد يعتقد البعض أن هذه
النوعية من مدمني العمل لا توجد في الكويت حيث ان سمعتنا سيئة في الأداء
الوظيفي، لكن الحقيقة أن هذه النوعية موجودة في كل مكان ومن بينها الكويت.

قد تكون قلة لكنها موجودة، وبين الحين والآخر يمر عليّ شخص من هؤلاء
في العيادة، خاصة من الأشخاص الذين يضطرون الى السفر كثيرا من أجل العمل
والصفقات، هؤلاء نلاحظ لديهم بعض المشاكل الصحية لكن انشغالهم بالعمل
ينسيهم حتى موعد متابعة الطبيب وقد يتفاقم الأمر لديهم.

الاعتراف بالمشكلة بداية الحل
يحدد د. أبل أن للمتزوجين من وظائفهم عدة خطوات للخروج من مشكلة إدمان العمل:
• الاعتراف بالمشكلة فهو بداية الحل.
• إلقاء كل ضغوط ومشاكل العمل خارج باب البيت.
• تقسيم الوقت بين العمل والخلود إلى الراحة والاسترخاء لغير المتزوجين.
• تحديد المتزوجين وقتا للأسرة والالتزام الصارم به مهما كانت مسؤوليات العمل أو الوظيفة.
• الاهتمام بالاتصالات الاجتماعية والانخراط في ممارسة الرياضة والهوايات وجعلها من الأولويات مثل العمل تماما.
• استشارة متخصص قبل فوات الأوان.

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *