الشيخ والداعية صاحب الشعبية الكبيرة في السعودية سلمان العودة لا يزال قابعا في سجنه, ونكشف لكم اليوم الأسباب الحقيقية وراء اعتقال سلمان العودة وكل ما جرى معه حتى اللحظة, مع التأكيد ان اخبارا كثيرة تنتشر حوله لكن المؤكد اكثر ان خبر وفاة سلمان العودة هو مجرد اشاعة “حاليا” اذ يبدو ان سجّانيه يروّجون لهذا الامر قريبا.
بعد خروجه من أراضي المملكة للمرة الأولى في العام 2016 منذ اندلاع الربيع العربي، وذلك عقب وصول الملك سلمان لسدة الحكم، والذي فك حظر السفر عليه، ما لبث سلمان العودة أن عاد لوطنه في يناير 2017، لكن هذه المرة لم تكن عَودةً اختيارية، بل لظرف استثنائي، ظرف توفي على إثره زوجته هلا السياري، وابنه هشام، في حادث مروري أودى بحياتهما، ليعود سلمان العودة، أحد رموز تيار الصحوة تاريخيا في المملكة وصاحب الشعبية العريضة.
عاد إلى السعودية محمّلا بأوجاع الفقدان، ومستقبلا عزاءات قطاع عريض من الشعب والعالم أجمع، كما استقباله للتعزيات من قبل العائلة الحاكمة، وأفراد السلطة، كالملك سلمان، ومحمد بن نايف، ومحمد بن سلمان.
تعاطف رجالات الحكم الكثيف عقب حادثة عائلة سلمان العودة، لم يلبث أن انقلب جذريا، على الأقل في صورته الظاهرية، وذلك على خلفية وصول بن سلمان إلى ولاية العهد والتحكم في زمام السلطة ومساراتها. إذ وبمجرد وصول ابن سلمان، وجد العودة نفسه ممنوعًا من مغادرة البلاد، منعٌ تصاعد بعدها لاعتقال العودة نفسه، ولتطالب النيابة العامة بإعدامه في قضايا تتصل الإرهاب!
بدأت القصة في ظاهرها، بتغريدة أطلقها العودة في الثامن من سبتمبر عام 2017 بالتزامن مع حصار قطر، حيث غرد العودة على حسابه الشخصي بتويتر، والذي يُجاوز متابعوه 14 مليون متابع، قائلًا “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم” في إشارة إلى ما تردد حينها من اتصالات جرت بين الجانبين القطري والسعودي عقب الحصار، والتي تصاعدت التحليلات معها مشيرة لسعي الطرفين للتفاهم تجاه النقاط الخلافية.
على إثر هذه التغريدة، طلبت السلطات السعودية من العودة الحضور لمقر الأمن، وقد اقتادوه بحسب تصريحات ابنه عبد الله العودة معصوب العينين ومقيد اليدين إلى محبسه، قبل أن يتم نقله إلى زنزانة مترين * مترين بسجن الحائر بالرياض، ومنذ ذلك الحين، ابتلعت السجون السعودية سلمان العودة حتى يومنا هذا.
37 تهمة، حصيلة ما وجهته المحكمة الجزائية للدكتور سلمان العودة، إلا أن التهم مثلت في تفاصيلها غرابة أثارت جدلا واسعا لدى المتابعين والنشطاء الحقوقيين. كان أغربها، عدم الدعاء الكافي لوليّ الأمر، وحيازة كتب ليوسف القرضاوي في بيته، بالإضافة إلى الانضمام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي يرأسه يوسف القرضاوي، وتأسيس عدد من المنظمات الإسلامية. تهم استحق صاحبها في نظام ابن سلمان أن تطالب النيابة العامة بإعدامه تعزيرًأ !
اتهامات العودة لاقت استهجانا واسعا من أكاديميين وحقوقيين عرب، وأطلقوا هاشتاج #سلمان_العوده_ليس_ارهابياً. حيث يذهب محمد المختار الشنقيطي إلى أن ما يحدث للعودة إنما هو إمعان في المهانة والإذلال بإيعاز من أبوظبي وحاكمها محمد بن زايد. أما أبو يعرب المرزوقي فقد اعتبر ما حدث للعودة “فعلا خسيسا من حثالة الحكام، يحاكمون خيرة نخبهم ويصفق لهم أرذل النخبة من الطبالين في مصر وسوريا والسعودية والإمارات”[4]، وقد نشط حساب معتقلي الرأي في الحديث عن العودة وتفنيد التهم الموجهة إليه!
قصة الاعتقال التي تلا ذكرها في بداية التقرير تطرح سؤالا جوهريا في محاولة فهم المشهد، إذ يبدو النظر للجذور والسياق ذا أهمية لفهم معطيات ما يتشكل من صورة، فهل يتمثل الموقف في حقيقته عدم قدرة نظام مستبد على تحمل تغريدة فيها من العمومية ما فيها، مشعلة فتيل هذا التعسف تجاه العودة، أم أن هذا فقط ما يبدو على السطح، وفي الكواليس الكثير مما يُحكى؟!
في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016 كان سلمان العودة خارج البلاد بعد منع للسفر استمر طوال فترة الربيع العربي، خرج العودة ذلك التاريخ في لقاء ثنائي مع الشيخ يوسف القرضاوي. أدار العودة النقاش، والذي لم يتطرقا فيه إلى سجالات فقهية أو نقاشات مفاهيمية، وإنما اقتصر حيزه على الشيخ وصحته وأهل بيته وذكرياته ورفاقه وقضائه لوقته في المكتبة، وإسدائه لبعض النصائح للمشاهدين، نقاشٌ بدا مألوفا بين رجلين يعرف كل منهما الآخر عن قُرب.
لقاء لا يحمل الكثير في ظاهره، بيد أن له من الرمزيات الشيء الكثير، فالعودة هو أحد المرشحين لخلافة القرضاوي في رمزيته “الوسطية” في العالم الإسلامي. حيث حرص العودة على الانتساب لـ “مدرسة الوسطية” التي عُرف بها القرضاوي، وهو ما يُعدّ مستغربا في الأوساط السعودية، ففي ملتقى تلاميذ القرضاوي ظهر العودة بجوار المغربي أحمد الريسوني، والسوداني عصام البشير، وغيرهم، ليلقي كلمة يثمّن فيها ويفخر بمكانة القرضاوي كأستاذ وسماها “القرضاوي الذي عرفت”.
إضافة إلى هذا الانتساب الشرفي، يشغل العودة منصب مساعد الأمين “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” والذي يرأسه القرضاوي، ويعتبر الاتحاد الأشهر صيتا في العالم الإسلامي، والأكثر عددا من حيث الأعضاء والبلدان، وله مواقفه التي تخص حركة الشعوب الإسلامية. وهو ما مثّل بدوره قلقا بالغا للمملكة، التي لا تتحمل حكومتها أي معارضة. منصب مثل بحسب العالم المغربي أحمد الريسوني، أنه من أسباب سجن العودة، وذلك لدوره الإقليمي والعابر للحدود، في علاقاته بالقرضاوي والاتحاد وتردده على تركيا، ودعوته للصلح مع قطر.
عمل العودة كذلك على تأسيس عدد من المؤسسات والمراكز البحثية في العلوم المختلفة التي لم تحمل اسمه، لتتحول من الشخص إلى الفكرة، كان على رأسها مؤسسة الإسلام اليوم والتي ترأسها لمدة عشرة أعوام ثم ترك رئاستها لصديقه عبد العزيز الطريري، وأسس كذلك منظمة النصرة العالمية في الكويت للتعريف برسول الله، والتي جاء تأسيسها عقب أزمة الرسوم المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد كان تأسيسه لهذه المنظمة، إحدى التهم الـ37 التي وُجّهت إليه في المملكة!
لا يتوقف دور العودة عند هذا الحد، بل يتعدى البلاد العربية ليصل إلى المؤسسات الإسلامية في أوروبا، وعلى الرأس منها مجلس الإفتاء الأوروبي بصفته عضوا فيه.
في ثمانينيات القرن الماضي كان العودة قائدا لتيار الصحوة السعودي مع أسماء أخرى مثل سفر الحوالي وناصر العمر، بيد أن اسم العودة ما زال له الصدى الأوسع في الشارع العربي. مع صعود جيل الصحوة، كانت خُطبة واحدة من العودة حينها كفيلة بهزّ أرجاء المملكة، وما لبث أن اعتُقل العودة ورفاقه إبان حرب الخليج لسنوات خمس ليخرج بعدها العودة.
وقال عن تجربة السجن: “خمس سنوات من الاعتكاف عزلتني عن تأثير الجموع، منحتني الحرية، نقلتني من الضيق إلى السعة، ومن الانكفاء إلى الحياة، نقلتني لرؤية الوجوه الناصعة وقراءة الجانب الإيجابي لدى الآخرين”. وقد أكثر العودة من ذكر السجن وتجربته في كتبه ومحاضراته وتغريداته، إذ إن السجن -فيما يبدو- قد ترك بصماته على شخصية العودة، واعتبره العودة منحة في صورة محنة، فقد وصف تجربة السجن بقوله: “تجربة جميلة، نرجو ألا تكرر”.
في السجن، راجع العودة كثيرا من المفاهيم التي دعا إليها قبل سجنه، وحين خرج، واجه شريحة واسعة من تياره القديم بهذه المراجعات، يقول العودة: “عندما خرجت، خرجت لأجد الشريحة تغيرت نحو العنف، وكان لا بد من الوضوح معها حتى لو أدى ذلك إلى أن أخسرها”. الأمر الذي جعل البعض يرى أن مراجعات العودة جادة وحقيقية، وقد آلت في النهاية إلى تركه تيار الصحوة، واقترابه شيئا فشيئا إلى جموع المسلمين الواسعة، دون فقدان الفاعلية في الحركة الإسلامية، يقول تركي الدخيل: “لقد اختار العودة بمنهجه الجديد الانحياز إلى جمهور المسلمين على جمهور الإسلاميين، فكسب شريحة عريضة من الفريق الأول، ولم يفقد كثيرا الفريق الثاني”
يمتلك العودة حسابات على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وهو دائم الحضور عليها. ففي تويتر يتجاوز عدد متابعيه 14 مليون متابع، أما فيسبوك فله من الأتباع ما يربو على سبعة ملايين. ولا يتوانى العودة في مشاركة جمهوره بمقاطع شخصية، أو خاطرة خطرت له وهو مع أسرته أو في بيته أو أثناء أسفاره المتعددة، أو بمشاركته لإحدى صوره مع صغاره وأولاده وهو يلعب معهم!
وجد العودة في مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا جديدا له بعيدا عن الفضائيات والمجلات والكتب، فخاطب الشباب بلغتهم، واقترب من واقعهم، وناقش مشاكلهم، وهو ما جعل منه رمزا في محافلهم ونقاشاتهم. في تغريدات العودة، لا يتحدث كثيرا عن السياسة، ولا يُطنب في الفوائد الشرعية كما الحال في كتبه ومحاضراته القديمة، إنما يستخدم العودة منصات التواصل الاجتماعي بلغة بسيطة، قريبة من الشباب واهتماماتهم، حيث يتحدث عن الحب والبوح والجمال والأمل والتفاؤل والمستقبل والإبداع والفشل، ولا يفوته حظه من تعليقات لا تُخطئ العيان على الشأن العام والأمة الإسلامية وما يتصل بها.
يعتبر العودة هذا الانفتاح الذي حدث له فيما يخص وسائل التواصل والتلاقي الإلكتروني مع الناس نمطا للتغير الدعوي وتطوير الأفكار وبثها، فالعودة كثيرا ما يُشجع على تجويد الأفكار وإعادة النظر فيها، وعدم الجمود عند مرحلة واحدة، يقول العودة في نَصّ مرئي بثه: “نعم أتغير، لأنني لو قلت في الأربعين ما كنت أردده في العشرين فهذا يعني ضياع عشرين سنة من عمري سدى، والشجاعة أن يفتح الفقيه الأبواب القابلة للفتح بدلا من أن ينتظر أن يكسرها الآخرون”.
كل ذلك يجعل للعودة من المكانة والرمزية ما يفوق قوة بعض الشخصيات النافذة في المملكة على تحمله طليقا في ظل التغيرات التي تشهدها منذ صعود بن سلمان ودوره الإقليمي في العداء مع الإسلام السياسي وتسوية القضية الفلسطينية!