إكس خبر- في المضمون السياسي والاستراتيجي لكلّ ما يجري في المنطقة لا تزال المرجعية التي يتقدم عبرها كلّ فريق لمنطقه ورؤيته تنطلق من معادلة علنية محورها فلسطين، فعلى رغم كلّ الانقسام الذي تشهده الساحة العربية بين تيار «الربيع العربي» وما يعنيه من معادلة – الديمقراطية أولاً ولو مع الاحتلال – وتيار المقاومة المتهم بأنه من دعاة «العروبة والمقاومة ولو مع الاستبداد»، لا يزال كلّ من الفريقين في كلّ سجال لتثبيت منطقه وتقديم مبرّراته يقدم ما يكفي من المعادلات للقول إنّ طريقه تحمي القضية الفلسطينية، وإنّ طريق خصمه تخدم «إسرائيل»، وهذا إنْ دلّ على مكانة لفلسطين وقضيتها لا يملك أيّ فريق القدرة على شطبها من الوجدان العام، أو دلّ على درجة من النفاق السياسي هنا أو هناك، إلا أنه يدلّ على أنّ لحظة تأجّج الصراع حول فلسطين وفيها ما يولّد من مناخات جديدة يمكن أن تتسع لإطلاق المبادرات.
– في السياسة… المنطقة تذهب بوضوح إلى حيث تستعدّ القوى الكبرى للجلوس إلى مائدة تفاوض، من الملف النووي الإيراني شبه المنجز، إلى منع تقسيم العراق ومواجهة خطر الإرهاب المتقدم تحت عنوان داعش، وصولاً إلى تطبيع العلاقات الدولية والإقليمية مع سورية من تحت قبعة ستيفان دي ميتسورا، والعنوان الفلسطيني الجامع سيبقى خارج التسويات لكون «إسرائيل» لا تزال ممنوعة من الصرف، واستثناء على كلّ القواعد حتى وهي في ذروة ضعفها، بينما لكلّ العرب بمن فيهم المصطفون على الخندق الأميركي، أو على ضفة ربيعهم الديمقراطي مصلحة بأن تحضر فلسطين، ولو بربط نزاع.
– في السياسة أيضاً وفي مناخ الفتن الطائفية والمذهبية والانقسامات القاتلة على هويات ما قبل الأوطان والقوميات، يحتاج الساسة إلى تهدئة فوران العصبيات التي استثمروا عليها في شحذ النفوس وصارت عبئاً عليهم، وما من مهدّئ لها إلا استحضار القضايا التي تحرّك الوجدان الجمعي للشعوب واستثمارها لتظهير عناصر الوحدة بين المكوّنات، وليس ما يعادل فعل القضية الفلسطينية، ولا من لحظة درامية لهذا الاستحضار كمثل هذه اللحظة.
– في السياسة أيضاً وأيضاً، لا يمكن إلقاء اللوم والعتب على مجهول في الحديث عن ترك الفلسطينيين وحدهم كما في كلّ مناحات الخطاب الشعبي والحزبي العربي، فالحراك في الشارع لإشهار التضامن هو أضعف الإيمان، وفي ظلّ ما تعيشه سورية والعراق واليمن وتونس وليبيا تتجه الأنظار نحو مصر ولبنان، حيث ضغط الحال الأمنية على رغم حرارته لا يزال يسمح بتحركات من وزن يعطي القضية حقها إذا انوجدت الإرادة السياسية.
– في مصر تشكل التحركات الداعمة لفلسطين رسالة قوة لنظامها الجديد نحو «إسرائيل» والخارج، وفرصة لتأكيد الدور الذي لا يمكن لمصر انتزاعه خارج عنوان فلسطين، كما تشكل الحركة الشعبية المصرية فرصة لتخفيف الاحتقان بين شارع مؤيد للحكم الجديد يحتاج هذه التحركات، لنفي تهمة تخليه عن فلسطين، وبين شارع مؤيد للإخوان يجعل قضيته مقاتلة النظام الجديد وينسى أنّ جزءاً أساسياً من الاستهداف يطاول إخوة لهم هم مقاتلو حركة حماس وقادتها، التي تدفع في مصر فاتورة وقفتها معهم وصولاً إلى نسيان قضيتها الأصلية، والمعنيّ بالسؤال هنا هو التيار الناصري الذي يشكل الهمّ القومي وفي مقدمه فلسطين محور وجوده، ليصير السؤال هو: لماذا لا يبادر الناصريون المصريون وعلى رأسهم المرشح الرئاسي حمدين صباحي المقبول من فريقي الشارع، لإطلاق دعوة منسّقة ومدروسة ليوم تضامني مصري مع فلسطين له أكثر من مدلول يوجه أكثر من رسالة.
– في لبنان حيث الشارع الذي لم ينفك عن التقدم للصفوف الأمامية لنصرة كلّ قضية عربية، خصوصاً فلسطين، يشكل الحراك في الشارع رسالة قوة لإسرائيل، ورسالة إسناد ذات مغزى لشعب فلسطين ومقاوميه، وللشارع المقاوم هو تعبير أصيل عن الخيار والهوية، وللشارع المقابل هو رسالة تأكيد على أنّ الخلاف مع الخصوم على شؤون وشجون لا يعني احتكار دعم فلسطين على ضفة لبنانية من دون أخرى، وفي السياسة يملك الفريقان علاقات جيدة مع الفصائل الفلسطينية ساهم التموضع على ضفاف الأزمة في سورية بجعلها متوازنة بين الفريقين اللبنانيين الأساسيين ومقابلهما الفريقان الفلسطينيان الأساسيان، ويصير السؤال موجهاً للنائب وليد جنبلاط وحزبه، لبلورة خطة اتصال وتصوّر لتحرك جامع يفاتح فيه فريقي تيار المستقبل وحزب الله، كتعبير تضامني إن لم يكن له من فائدة سوى القول إننا مختلفون لكننا على الأساسيات متحدون، وإن لم تتعدَّ آثاره حدود تخفيض مستوى الاحتقانات المذهبية فهذا كاف ليبادر وليد جنبلاط.
– هذا المقال لفت نظر وليس تسجيل موقف ولا من باب التحدي.