أشعلت الاكتشافات الأخيرة لاحتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل، معركة بين المستثمرين والحكومة حول كيفية اقتسام الأرباح.
وقد تكون لهذه الاكتشافات دلالة كبيرة، فقد كانت إسرائيل لفترة طويلة جزيرة فقيرة الموارد في منطقة الشرق الأوسط الغنية بموارد الطاقة. وتعتمد إسرائيل في توفير الطاقة إلى حد بعيد، على الفحم المستورد من مناطق بعيدة ويرجع ذلك جزئيا إلى مقاطعة الدول العربية لها باستثناء مصر، التي تربطها بها معاهدة سلام، وتصدر لها الغاز الطبيعي.
ولكن الابتهاج الأولي باحتمال تمكن إسرائيل من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة أفسده الخلاف بين المسؤولين الإسرائيليين الذين يريدون زيادة حصة الدولة من العوائد والمستثمرين الأميركيين والإسرائيليين الذين يقولون إن موقف الحكومة يهدد مكانة إسرائيل كبلد آمن للاستثمار.
وقدر البعض قيمة الاكتشافات الأخيرة، التي قام بها تحالف من مجموعة شركات تقوده «شركة نوبل للطاقة» ومقرها تكساس، بنحو 300 مليار دولار. وهذا الرقم لا يمثل سوى جزء صغير من الغاز الطبيعي الكامن تحت قاع البحر في منطقة شرق البحر المتوسط، والتي وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية قد تحتوي على واحد من أكبر مكامن الغاز الطبيعي غير المستغلة في العالم.
وقد تسبب احتمال قيام إسرائيل باقتطاع جزء كبير من الأرباح في نشوء نزاع تجاري بين الحكومتين الإسرائيلية والأميركية، وأصدرت السفارة الأميركية في تل أبيب تحذيرا ضد إعادة صياغة قواعد اقتسام الأرباح.
وبموجب القانون الحالي، يحق لإسرائيل الحصول على نسبة 12.5 في المائة من قيمة الغاز المكتشف وبعض الرسوم الإضافية. لكن وزير المالية الإسرائيلي يوفال ستاينيتز شكل لجنة لتحديد ما إذا كان يجب تغيير هذه الصيغة أم لا. وقد بدأ تحالف اجتماعي من الإسرائيليين حملة للدعوة لتثقيف الجمهور الإسرائيلي حول مليارات الدولارات من الأرباح التي سوف تخسرها إسرائيل بسبب هذه الاتفاقية.
وقد سافر المدير التنفيذي لشركة نوبل للطاقة تشارلز ديفيدسون إلى إسرائيل هذا الشهر ليتأكد من أن حقوق الامتياز التي حصلت عليها شركته في إسرائيل لن يتم تعديها. وحذر مارك سيفرز، القائم بالأعمال السابق في السفارة الأميركية في إسرائيل من أن احتمال قيام إسرائيل بإعادة صيغة عوائد الطاقة سوف يؤثر على عقود الإيجار والامتياز الحالية مما سيقوض الثقة في استقرار السياسة المالية الإسرائيلية ويخلق حواجز أمام الاستثمار الدولي.
ورفض ستاينيتز مناقشة هذه القضية قبل أن تصدر اللجنة توصياتها النهائية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) والذي سيتبعه رفع القضية إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي أو البرلمان لاتخاذ قرار.
ويأتي الصدام التجاري الحالي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ظل سعي الرئيس أوباما، الذي سيستضيف قمة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لإصلاح العلاقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتي شهدت حالة من التوتر بسبب الخلافات حول المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ويتزامن هذا النزاع أيضا مع حرب كلامية مشتعلة بين إسرائيل ولبنان حول ما إذا كانت اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط تمتد داخل الحدود اللبنانية.
وقد قال وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل إنه «من الواضح تماما أن إسرائيل تسعى للتعدي على مواردنا»، كما تعهد حزب الله بالدفاع عن «موارد لبنان الطبيعية» مما دفع وزير البنية التحتية الوطنية الإسرائيلي عوزي لاندو إلى التحذير من أن إسرائيل «ستستخدم كل قدراتها لحماية مصالحها».
وجمدت إسرائيل جهودا سابقة للحصول على حصة أكبر من أرباح اكتشافات الطاقة في عام 2001 بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية التي كانت القضية الأكثر إلحاحا في ذلك الوقت.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن «الاكتشافات الجديدة قد وضعت مراجعة هذه الاتفاقيات في قمة أولويات الحكومة». وفي العام الماضي، أعلن تحالف الشركات الذي تقوده «شركة نوبل للطاقة» اكتشاف حقل تمار، الذي يحتوي على 8.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهي كمية كافية لتزويد إسرائيل باحتياجاتها من الغاز لأكثر من عشرين عاما.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، قال التحالف إنه رصد حقلا، يسمى لافيثان، تشير التقديرات إلى أنه يحتوي على ضعف الكمية المكتشفة في حقل تمار. ومن المقرر البدء في أعمال الحفر في هذا الحقل نهاية هذا العام.
هذه التقديرات لو كانت تتعلق بمكان آخر لتسببت في استثارة شركات الطاقة العالمية لدخول في تنافس شديد للحصول على حقوق الامتياز، لكن المقاطعة العربية، والتي تمنع الشركات التي تستثمر بشكل كبير في الدول العربية الغنية بالنفط من الاستثمار في إسرائيل، أدت إلى عدم حدوث ذلك. وجاءت فقط شركة نوبل للطاقة، وهي شركة صغيرة بالمقاييس الدولية، وبدأت بالتعاون مع الشركات الإسرائيلية.
وقال بيني زومير، مدير شؤون شركة نوبل للطاقة في إسرائيل، إنه «نظرا لأن قطاع الغاز الطبيعي في إسرائيل لا يزال في مراحله الأولية، كان يجب على الحكومة أن تبحث عن سبل تحفيز الاستكشاف والمشاريع الإنتاجية، بدلا من أن تفرض عقوبات على المستثمرين».
ولكن المسؤولين في وزارة المالية الإسرائيلية والنشطاء على مستوى القاعدة الشعبية يشككون في هذه الحجج. ويقول مسؤول كبير في وزارة المالية، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، من أجل التحدث بحرية، «إن الدول الغربية تقوم بشكل روتيني بتحديث نسب الضرائب والحصص في الأرباح، بما في ذلك تلك التي تفرض بعد تحقيق اكتشافات جيدة للموارد». واستطرد المسؤول قائلا: «إن أي دولة من الدول التي تفعل ذلك لم تقل إن هذا لن يتم إلا على الاستكشافات المستقبلية، وفي جميع البلدان، كانت التعديلات تغطي كل المشاريع».
وقال الحاخام ميخائيل ملكيور، وهو وزير سابق في الحكومة الإسرائيلية، والذي يقود الآن تحالف المواطنين المهتمين، الذي شكل من ستة أسابيع، والمعروف باسم منتدى العمل المدني، إن «هذه فرصة تاريخية تحدث مرة واحدة أمام دولة إسرائيل لتغيير أولوياتها وعمل تغيير اجتماعي. إن الدولة لها الحق في منح امتيازات لشركات القطاع الخاص التي ينبغي أن تكافأ بشدة على استثماراتها والمخاطر التي تعرضت لها، ولكن في الوقت نفسه، فإننا نحتاج بشكل كبير جدا لتغيير هذه النسبة لكي يذهب القدر الأعظم من عوائد هذه الاكتشافات إلى مواطني الدولة». ويقول الحاخام الأكبر السابق للنرويج، ملكيور إنه «يود أن تطبق إسرائيل النموذج النرويجي الذي يعطي معظم عوائد الاكتشافات للمواطنين».
ومن غير الواضح كم سوف تجني إسرائيل من الأرباح والضرائب بموجب الاتفاق الحالي مع بداية استخراج الغاز من حقل تمار في عام 2012، وتقدر وزارة المالية هذه النسبة بـ26 في المائة، ويقول اتحاد شركات الغاز إن هذه النسبة تصل إلى النصف إذا أخذنا في الاعتبار جميع الضرائب.
وأعرب وزير البنية التحتية الإسرائيلي لاندو عن أمله في أن يتم التوصل إلى حل وسط. وقال «أعتقد أنه سيتم رسم خط فاصل بين الاكتشافات السابقة والمستقبلية».
* أسهم في هذا التقرير المراسل الخاص في القدس صموئيل سوكول
* «واشنطن بوست»