يؤدي التصوّر الشائع عن الأشخاص الذين يمشون أثناء النوم إلى رسم ابتسامة خفيفة على وجوه كثير من الناس؛ إذ يتبادر إلى ذهنهم نهوض شخص ما من سريره أثناء الليل، ويتلمس طريقه في جنح الظلام داخل المنزل أو الحديقة، بينما ذراعه ممدودة أمامه، ثم يعود في نهاية المطاف إلى فراشه مرة أخرى بشكل سليم ومعافى تماماً، من دون أن يلاحظ أو يدرك أي شيء على الإطلاق من جولته التي قام بها ليلاً عند استيقاظه في الصباح. غير أن المشي أثناء النوم لا يعد أمراً مضحكاً على هذا النحو، فمع الأشخاص البالغين يمكن أن يشير اضطراب النوم المعروف باسم «السرنمة» إلى وجود أمراض في المخ، ولذلك فإنه يتعين على هؤلاء الأشخاص استشارة الطبيب على الفور.
وتُعد ظاهرة «السرنمة» واحدة من الاضطرابات السلوكية التي تحدث أثناء النوم «الباراسومنيا»، وهي عبارة عن اضطرابات أثناء النوم تحدث عند الاستيقاظ أو الاستيقاظ الجزئي أو أثناء الانتقال ما بين مراحل النوم المختلفة، إذ تؤدي هذه الاضطرابات إلى قطع عملية النوم. غير أن ديتر كونتس، من قسم طب النوم بمستشفى سانت هيدفيغ بالعاصمة الألمانية برلين يقول إنه «للأسف تم إهمال هذه الظاهرة إلى حد كبير، إذ لا يهتم بها سوى عدد قليل جداً من أطباء النوم وأطباء الأعصاب».
نقص نضوج
أوضح ديتر كونتس أن «هناك نحو 30٪ من الأطفال و1٪ من البالغين يعانون المشي أثناء النوم. وغالباً ما تحدث هذه الظاهرة لدى الأطفال في سن البلوغ، وقد تكون واضحة بصورة أكبر أو أقل، إذ تظهر لدى البعض منهم من خلال جلوسهم لفترة قصيرة أثناء النوم». وأضاف خبير النوم «في هذه الحالة لا يدرك الكثير منهم أي شيء على الإطلاق»، إذ يُعتقد أن نقص نضوج المخ هو السبب الذي يقف وراء هذه الظاهرة. ويصل عدم التطابق هذا «mismatch» ـ أي فشل عمليات ترابط الخلايا العصبية في المخ إلى نهايته عندما يبلغ المريض عامه الـ،25 وبعد ذلك تتوقف هذه الظاهرة عن الحدوث لدى الأشخاص الذين يعانون منها. وعند المشي أثناء النوم يتم ـ وفقاً لما أوضحه ديتر كونتس ـ استدعاء البرامج الحركية في مرحلة النوم العميق التي تكون غير مقصودة.
وذكر رئيس رابطة أطباء الأعصاب الألمان بمدينة كريفيلد غرب البلاد أوفه ماير، أنه في هذه الحالة لا تعمل «آلية الإيقاف» التي تقوم عادة بشل حركة العضلات بالهيكل العظمي أثناء النوم، وعندئذ «فإننا نسير في أرجاء المكان».
لا يعي الأشخاص الذي يمشون أثناء النوم أي شيء عما يقومون به أثناء سيرهم. ولذلك فإنهم يقومون بجولاتهم الليلية من دون أن ينتابهم أي خوف أو قلق، وهذا ما يفسر الخطوات المحفوفة بالمخاطر عند المشي أثناء النوم، ولكن هذا لا يعني أن الأشخاص الذين يمشون أثناء النوم لا يمكن أن يحدث لهم مكروه أثناء سيرهم، إذ يؤكد ديتر كونتس أنه لا توجد سلامة أو أمان عند المشي أثناء النوم.
ولذلك، فإنه ينبغي على آباء الأطفال الذين يمشون أثناء النوم اتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة التي تحول دون تعرض الأطفال للإصابة أثناء جولاتهم الليلية وهم نائمون. ومن هذه الإجراءات، على سبيل المثال، إخلاء غرف الأطفال من الأشياء التي تمثل خطورة على حياتهم، وكذلك إحكام غلق الأبواب الخارجية والنوافذ كإجراء وقائي. ومن الأمور المهمة أيضاً التحدث مع الأطفال الذين يمشون أثناء النوم بهدوء، وإعادتهم إلى السرير مرة أخرى.
عادة تختفي
ينصح ديتر كونتس بأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال إيقاظ الأطفال وهم على هذه الحالة، إذ إنهم سيواصلون بعد ذلك استغراقهم في النوم، وفي الصباح لن يدركوا أي شيء من الأحداث المثيرة التي وقعت بالليل أثناء نومهم. ويشدد الخبير الألماني على أن «المشي أثناء النوم لدى الأطفال لا يُعد أمراً سيئاً على الإطلاق، حيث عادة ما تختفي هذه الظاهرة مع الوقت».
غير أن الوضع يبدو على العكس من ذلك إذا حدثت ظاهرة المشي أثناء النوم لدى البالغين لأول مرة، إذ أوضح رئيس مركز طب النوم بمستشفى مقاطعة ريغنسبورغ جنوب ألمانيا، والباحث في اضطرابات النوم البروفيسور يورغن تسوللي قائلا: «يمكن أن يختلط هذا الأمر مع بعض أعراض الاضطرابات الأخرى»، كما أنه يمكن أن يشير إلى حالات من الارتباك. ولذلك ينصح الطبيب الألماني «إذا تعرض أحد البالغين لظاهرة المشي أثناء النوم لأول مرة، فينبغي عليه التوجه إلى أحد أطباء الأعصاب، حتي يتأكد من عدم وجود أي أمراض أخرى».
وأوضح ديتر كونتس أن «المشي أثناء النوم لدى الأشخاص البالغين قد يكون أحد الآثار الجانبية الناتجة عن تناول الأدوية النفسية. كما أنه ليس من المستبعد تماماً وجود أمراض أخرى خطرة تقف وراء حدوث هذه الظاهرة، مثل الإصابة بورم في المخ. ولذلك فإنه ينصح بالتوجه في أسرع وقت ممكن إلى أحد مختبرات النوم المتخصصة في الاضطرابات العصبية والنفسية، لدراسة الموضوع من جذوره.