إكس خبر- تقول شخصية عربية مهتمّة ومُتابِعة للتطورات الجارية في المنطقة، تعليقاً على هجوم «داعش» على مدينة عين عرب (كوباني) الكردية في أقصى الشمال السوري: «إنّ ما يجري على حدود هذه المدينة البعيدة 150 كلم عن حلب و30 كلم عن الحدود التركية، سيُحدّد الى درجة كبيرة صدقية التحالف الذي تقوده واشنطن ضد «داعش».
وتستذكر هذه الشخصية كيف انّ الهجوم الذي كان يعدّه العقيد معمر القذافي ضد مدينة بنغازي في الشرق الليبي كان مبرّراً لاستصدار قرار في مجلس الأمن يسمح لقوّات حلف «الناتو» بقصف مدرّعات الجيش الليبي على مشارف هذه المدينة التي تعتزّ بأنها مدينة عمر المختار.
وتستذكِر هذه الشخصية أيضاً كيف سارعت القوات الاميركية، قبل أسابيع، الى وَقف هجوم «داعش» على أربيل بعدما وصلت الى مشارفها، كذلك هجومها على جبل سنجار حيث تقيم الطائفة الايزيدية. وتساءلت: لماذا لا ينقذ التحالف بلدة عين عرب الاستراتيجية، والتي اعتبرها الفرنسيون خلال حكمهم لسوريا مركزاً لقضاء كبير يضمّ 44 قرية وما زالت البصمات العمرانية للفرنسيّين ماثلة فيها؟».
وتضيف انّ هذه المدينة كانت من أكثر المدن السورية التي شهدت تظاهرات حاشدة للمعارضة منذ بداية الاحداث في سوريا ربيع 2011، وانّ القنوات التلفزيونية المعارضة لدمشق كانت تبثّ في كل يوم جمعة تلك التظاهرت فيها وفي مدينة القامشلي، وتعتبرها دليلاً على اتّساع القاعدة الشعبية المعارضة للنظام، في وقت لم تكن هناك تظاهرات مماثلة في مناطق أخرى.
وإذ تستغرب الشخصية نفسها تباطؤ قوات التحالف الاقليمي ـ الدولي الذي تقوده واشنطن في قصف فاعل وحاسم لتجمّعات «داعش» حول المداخل الشرقية والغربية والجنوبية لـ عين عرب، على رغم انّ الحشود الداعشية مستمرة منذ أسبوعين، وكذلك على رغم انّ مئات الآلاف من سكانها فرّوا في اتجاه تركيا وغيرها خوفاً من أن يُذبحوا على أيدي مسلّحي «داعش». وتحاول هذه الشخصية تفسير تلكؤ واشنطن وحلفائها عن نجدة عين عرب، وتَعزو ذلك الى احتمالات عدة:
ـ أوّلها، رغبة واشنطن في تأديب حزب الاتّحاد الديموقراطي الكردي اليساري النزعة الذي رفض دوماً أن يكون جزءاً من أطُر معارضة الخارج السورية التي كان يُشرف عليها السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد، وكان لرَفض الاتّحاد آنذاك أسباب عدّة، أوّلها حرصه على عدم استبعاد أيّ طرف من أطراف المعارضة السورية عن هذه الأطر، ولا سيما منها هيئة التنسيق التي كانَ ركناً أساسيّاً من أركانها.
وثاني هذه الأسباب هو خِشية الحزب الكردي من هَيمنة الحكومة التركية على هذه المعارضة، فيما لا يزال الأب الروحي للحركة الكردية في تركيا عبدالله اوجلان مسجوناً، خصوصاً انّ صِلاته به قوية جدّاً.
ـ ثانيها، انّ واشنطن تستخدم هجوم «داعش» على كوباني وَرقة في التفاوض مع تركيا نفسها، أو مع حكومة اردوغان عينها، فإذا لم تتجاوب هذه الحكومة مع كلّ ما تطلبه منها الادارة الاميركية فإنّ هذه الادارة لا تمانع في سقوط المدينة الكردية في يد «داعش» التي تصبح حينها مُمسِكة بشريط واسع من الحدود بين سوريا وتركيا، وبالتالي تشكّل ضغطاً كبيراً على حكومة اردوغان التي تَستميت للحصول على موافقة اميركية على منطقة أمنية عازلة، ليس في مواجهة النظام السوري فحسب، ولا من أجل حماية المعارضين المرتبطين بها فقط، بل أيضاً لمَنع تمدد «داعش» على طول الحدود مع تركيا.
ـ ثالثها، انّ الادارة الاميركية تميّز بين رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، وهو المعروف بميوله اليمينية وصِلاته الوثيقة بالغرب وبين حزب الاتحاد الكردي في سوريا المستقِلّ عن البارزاني، والذي له ولحزب العمّال الكردي في تركيا قاعدة شعبية واسعة في كردستان العراق.
فكما تسعى الادارة الاميركية الى إضعاف «داعش» فإنها تسعى ايضاً الى إضعاف الحزب الكردي السوري الواسع الانتشار لمصلحة زعامة البارزاني، خصوصاً بعدما فشلت محاولات عدة لوَضع هذا الحزب تحت مظلّته.
لكنّ كل هذه الاحتمالات، وفق الشخصية العربية نفسها، لن تُعفي واشنطن من المسؤولية في حال سقوط كوباني في يد «داعش» وارتكاب مجازر في حق أبنائها. وبالتالي، سينكشف أمام الرأي العام العربي والكردي والدولي زيف ادعاءاتها بأنّ من مهمات التحالف الاقليمي ـ الدولي حماية الاقليات الدينية والإثنية في المنطقة.
ولذلك، تدعو هذه الشخصية العربية الى المراقبة الدقيقة لأداء التحالف في إنقاذ كوباني. فإذا امتنَع، فهذا سيُلقي بظلاله على كل التبريرات الانسانية التي تقدّمها واشنطن لإنشاء هذا التحالف.
وبالتالي، فإنّ هذا التحالف سيصبح مَدعاة للنقد الشديد، وحتى للسخرية، خصوصاً أنّ عدداً من الأقلام ومراكز الابحاث الاميركية تشكّك في جدوى هذا التحالف وفي طبيعة مهمّاته، لا بل إذا فشل التحالف في إنقاذ عين عرب، فإنه سيؤكّد انّ واشنطن تستخدم «داعش» ذريعة لدورة جديدة من التدخّل في سوريا والعراق وعموم المنطقة.
فهل يتنبّه أبناء المنطقة عرباً وأكراداً، ايرانيين وأتراكاً، الى خطورة المشروع الاميركي الجديد الذي يخوض حرباً جديدة ضد المنطقة ولكن بلَحم أبنائها وبأموالهم ومواردهم؟