إكس خبر- يروى أن قلب أحد الفنانــــين توقف، فـــــحـــســــب ذووه والمقربون منه أنه ميت فدفنوه وعادوا إلى بيوتهم. لكن حارس المقبرة سمع صراخاً آتياً من أحد القبور فارتعدت فرائصه ظناً أن هذا من فعل الأشباح، فأطلق العنان لرجليه مبتعداً من المكان. لكن المدهش في الأمر أن جثة الفنان وجدت بعد فترة خارج القبر، وعلى ما يبدو أن قلبه عاد ليضرب من جديد ففتح عينيه ليجد نفسه في جو مظلم يخمد الأنفاس، حاول رفع الحجارة وأمعن في الصراخ، علّ أحداً يسمعه فيأتي لينقذه، لكن لا حياة لمن تنادي، وعلى ما يبدو فإن الممثل الشهير تمكن من رفع الركام عن قبره لكنه فقد أنفاسه الأخيرة ليموت ميتة فعلية.
وسواء كان الحادث صحيحاً أو لا فهناك حوادث كثيرة مشابهة نقرأ عنها بين الحين والآخر. ففي الولايات المتحدة يدفن أكثر من 30 شخصاً سنوياً وهم أحياء لاعتقاد الأهل والأطباء بأنهم انتقلوا إلى العالم الآخر، ويعود جزء كبير من المشكلة إلى التسرع في إعلان الوفاة اعتماداً على مظاهر ترتبط بالموت، مثل توقف القلب لفترة قياسية أو توقف التنفس لفترة طويلة، ولكن على رغم ذلك فإن المرء يظل في حال من الموت السريري وتبقى أعضاؤه الأخرى حية ترزق، فما أن يعود القلب إلى الخفقان وتعود الرئتان إلى العمل، حتى تتجاوب بقية الأعضاء فيفيق الميت وسط دهشة الجميع.
ولو حاولنا العودة إلى ذاكرة الشعوب لوجدنا قصصاً كثيرة تدور حول أشخاص عادوا إلى الحياة بعد وفاتهم. ففي حاضرة الفاتيكان مثلاً لا يدفن البابا الذي وافته المنية قبل مرور ثلاثة أيام بنهاراتها ولياليها على موته خشية أن يدفن حياً كما حصل مع أحد البابوات في القرن الرابع عشر.
وسبق لجريدة «ديلي اكسبريس» اللندنية أن نشرت قبل سنوات وقائع الحادثة التي حصلت مع الشرطي البريطاني ستيف غارتنر، الذي كان في مهمة مطاردة أحد اللصوص فأطلق الأخير النار عليه ليرديه قتيلاً غارقاً في دمائه، قبل ان يعلن الأطباء وفاته فور وصوله إلى المستشفى، لكنه فاجأ الأطباء ورجال الشرطة بعودته إلى الحياة وسط ذهول الجميع، وبدأ يروي عن الفترة التي مات فيها وأنه سافر إلى مكان بعيد ورأى الذين سبقوه من الأموات وتحدث معهم، ومن بينهم أقاربه.
كان توقف تيار الدم (الدورة الدموية والوظائف الحيوية ذات الصلة بالدم) يعتبر تاريخياً التعريف الرسمي للوفاة، لكن مع تقدم الطب واختراع التقنيات والوسائل الحديثة التي تسمح بإنعاش القلب والرئة، أصبح يطلق عليه لقب «الموت السريري».
والموت السريري مصطلح طبي يشير إلى توقف الدورة الدموية والتنفس، لكن الدماغ يبقى حياً، وتعمل أعضاء الجسم بمساعدة الأجهزة الطبية.
وفي بداية الموت السريري، يفقد الشخص الوعي في غضون ثوان قليلة، ويتوقف نشاط المخ القياسي في خلال 20 إلى 40 ثانية. وقد يلهث المريض بطريقه غير منتظمة خلال هذه الفترة الزمنية.
وعلى رغم الوفاة الظاهرة لأعضاء الجسم، إلا أن الدماغ يظل نشطاً لفترة دقائق معدودة، وإذا ما تم خلال هذه الفترة وصل المريض بأجهزة الإنعاش الأصطناعية فإنه يبقى حياً، حاله كحال النائم نوماً عميقاً، لكنه لا يكون واعياً لما يجري من حوله. وقد يستمر هذا الوضع من أيام إلى سنوات، لا يجوز فيها، لا دينياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، اعتبار المريض ميتاً، كما لا يجوز أن يتبرع بأعضائه بأي حال من الأحوال.
وتشمل علامات الموت السريري الآتي:
1- توقف القلب.
2- توقف التنفس.
3- تيبس الجسم.
4- اتساع حدقتي العين وعدم استجابتهما للضوء.
5- برودة الجسم.
6- ازرقاق الشفتين.
والدماغ هو العضو الأكثر تضرراً بنقص الأوكسيجين إذ أن غيابه من 3 إلى 6 دقائق يؤدي إلى تلف خلاياه، وإذا اقضت هذه المدة من دون إنعاش فإنه لا يمكن استرداد وظائفه بأي طريقة ممكنة.
ولا يثير الموت السريري اهتمام العامة والعلماء فقط، بل السينما أيضاً، وفيلم «فلاتينرز» من أشهر الأفلام التي تناولت العودة إلى الحياة.
أما أسباب الموت السريري فكثيرة، ومنها:
1- نقص الأوكسيجين الحاد.
2- التهاب السحايا والدماغ.
3- أورام الدماغ.
4- الجلطات الدماغية.
5- الرضوض المخية.
6- الأزمات القلبية الوعائية.
7- فشل الكبد.
8- فشل الكلية.
9- التسمم ببعض الأدوية والمخدرات والسموم.
10- بعض الإضطرابات الغدية.
ويروي السواد الأعظم ممن مروا بتجربة الموت السريري عن صور غريبة، ويكتسب البعض مواهب لم تكن لديه في وقت سابق، كالتحدث بلغات لم يدرسها أو مواهب فنية وحرفية.
هل من فرق بين الموت السريري والموت الدماغي؟
إن الموت السريري هو الحالة التي تتوقف فيها الدورة الدموية والتنفس، وذلك نتيجة لتوقف القلب عن النبض، وعلى رغم ذلك لا يعد هذا الموت موتاً بالمعنى الكامل، إذ أن المخ ما زال يعمل، ومن الممكن أن يعود الميت إكلينيكياً الى الحياة مرة أخرى في حال جرى إنعاشه في الدقائق الأولى من بدء توقف النبض والتنفس.
أما إذا انقطعت التروية الدموية عن المخ لأكثر من 4 إلى 6 دقائق، فإن المخ يموت ويصبح الشخص ميتاً دماغياً وبيولوجياً، لأن الوظائف اللاإرادية الحيوية في الجسم تتوقف في شكل كامل، وحينها يموت الشخص فعلياً ولا يمكن إعادته الى الحياة.
إن تطبيق وسائل الإنعاش القلبي- الرئوي في الوقت المناسب يمكن أن يسمح باستعادة الميت سريرياً إلى الحياة، من خلال عودة القلب إلى ضخ الدم وكذلك عودة التنفس مجدداً، فعندها يتم ضخ الدم مجدداً إلى المخ ما يسمح بتفادي الموت الفعلي.
وفي حال فشل إعادة الميت سريرياً بوسائل الإنعاش المختلفة، يلجأ الأطباء إلى تأجيل الموت الفعلي (كما جرى مع آرييل شارون) بوضع المريض على أجهزة صناعية للتنفس وتسيير الدورة الدموية من أجل الاحتفاظ بالمخ وضمان عدم موته، على أمل إعادته إلى الحياة، لكن للأسف تتدهور أعضاء الجسم المختلفة بمرور الوقت، ويظل المريض غائباً عن الوعي رغم عدم موت مخه… وهكذا إلى إن تصاب أعضاء الجسم بالإفلاس، أو بعد إطفاء الأجهزة التي تقوم بعمل القلب والرئتين … فعندها يحصل الموت قولاً وفعلاً.