إكس خبر- لا شك في أنّ هذا التخريب في العالم العربي الذي بدأ من تونس، مروراً بكامل الدول العربية، هو مخطط واضح لن ينتهي في العراق، بل ربما يتطور ليطول دولاً عربية أخرى. ورغم المؤشرات العديدة التي تدلّ على أنّ هذا المشروع نجح في التدمير وإثارة الفوضى منذ بدايته، إلا أنّه بدأ في الأفول وبدأت تظهر نهايته، خاصة بعدما عادت مصر إلى ثوابتها الوطنية والقومية، وبالتالي رفضت المشروع التخريبي، وأيضاً بعد صمود سورية وانتصارها على هذا المشروع.
نرى الآن تغييراً في الشعارات، فبدلاً من رفع شعار دعم الإرهاب الذي كانت تتولاه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، يُرفع الآن شعار مكافحة الإرهاب إذ بدأوا يخشون من هذا «الغول» الكبير المتمثل في الإرهاب الذي نثروه في المنطقة، والذي عاد ليضرب اليوم في العراق.
فهل انفجار الوضع الأمني في العراق هو نتيجة الصراع الإقليمي أو نتيجة عوامل داخلية؟ أو هو نتيجة الأمرين معاً؟
إنّ ما يحصل في العراق الآن هو أنّ أصحاب هذا المشروع الذي فشل في مصر وسورية يحاولون نقله إلى العراق، وإذا كان للعامل الخارجي دور أساسي في ما يجري، يبقى أنّ ثمة عوامل داخلية كانت كامنة، فأتى الخارج ليحركها، ولذلك نعتقد أنّ الأوان قد آن لكي يراجع العراقيون أنفسهم ويحصّنوا الوضع الداخلي في وجه النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية والإقليمية، كي يتمكنوا من تحقيق الإنجاز مثلما فعل السوريون والمصريون.
هنا تطرح أكثر من علامة استفهام حول تزامن الحوادث الأمنية في العراق مع التحوّلات الجديدة في كلّ من مصر وسورية؟ فمصر حققت الانتصار بعدما استردّت الثورة من سارقيها الذين أوصلهم المشروع الأميركي إلى الحكم، واستعادت الجماهير المصرية زمام المبادرة وانتخبت رئيساً جديداً هو الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كذلك صمود سورية على مدى أكثر من ثلاث سنوات، رغم الضغوط الخارجية كافة والإرهاب الدولي الذي لم يوفر وسيلة إلاّ استخدمها في حربه الكونية ضدّ سورية التي استطاعت بشعبها وجيشها وقيادتها أن تتغلب على المؤامرة وأثبتت أنها الأقدر على الصمود أمام هذه التحديات كلّها، وتكلّل انتصارها بإعادة إنتخاب الرئيس بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية في انتخابات شرعية وديمقراطية شهد لها وبها حتى الخصوم، ما يظهر أن غالبية الشعب السوري تؤيد الرئيس الأسد، ما شكل ضربة في الصميم للمشروع التآمري وما أدى إلى سعي التحالف المعادي إلى التعويض عن الفشل في سورية بنقل آلة الإرهاب إلى العراق.
فهل يتكرّر السيناريو السوري في العراق؟
لا نعتقد ذلك، الظروف في العراق مختلفة عنها في سورية، والمعطيات لا تؤشر إلى ذلك، لكن إذا ما استمرّ الوضع على حاله في العراق فقد يصل المشروع إلى حدّ السعي إلى التقسيم وبالتالي تخريب العراق واستهدافه دولة وجيشاً وشعباً، ولا نشك لحظة في أنّ العراقيين سيحفظونها ويدافعون عنها، ومعهم بالتأكيد جميع الأحرار والشرفاء هذه الأمة.
الشعب العراقي موحد ولا يريد التقسيم، ولا ينبغي على الإطلاق إعطاء أي حجج للآخرين للدخول على خط تقسيم العراق.
لمن يجرؤ ويطرح التقسيم حلاً للأزمة في العراق نقول إنّ ذلك يشكل أكبر جريمة ترتكب في تاريخ الأمة، وخطر التقسيم سيهدّد بالتأكيد دولاً كثيرة في المنطقة، ولا نستثني أحداً من أقاصي المغرب العربي إلى جنوب اليمن العربي، ولذلك يجب أن ندافع عن وحدة العراق بكلّ ما أوتينا من قوة.
نسمع ويا للأسف عن مصطلحات جديدة من نوع أن «داعش» هي جيش «السنّة»، لكن في الحقيقة الإسلام سنّة وشيعة لا يعتبرون هذا الإسلام منتمياً إلى هذا التطرّف، بل إنّ هذا التطرف هو نتوء خارج على جوهر الدين وليس من مصلحة أحد ما يحصل في المنطقة العربية من تطرف، فالتطرف ليس جيش أحد بل جيش نفسه، ولا مذهب له ولا دين، ولا علاقة له أي صلة بكل ما يمت إلى الإنسانية بمفهومها الشامل.
أما نحن في لبنان، وفي ظلّ الحديث عن التهديدات الأمنية الناتجة من تداعيات ما يحصل في العراق، يجب تدارك الأمر والعمل على تحصين ساحتنا الداخلية وتحصين نظامنا السياسي، فنحن من يعطي حججاً للتدخل الخارجي عندما نصنع بيئة فيها كلّ هذا التوتر السياسي. ولذلك نحتاج إلى عملية جراحية لنظامنا السياسي من دون «بنج» تستأصل المرض الخبيث الموجود في هذا النظام منذ 1943 حتى اليوم، ولم نعرف بسببها إلاّ استقراراً هشاً ولفترات زمنية محدودة.
أما ما يجب أن يتغيّر وبتبدّل فيبدأ أولاً وقبل كل شيء بإقرار قانون انتخابي جديد على قاعدة النسبية ويعتمد لبنان دائرة واحدة، وبذلك نكون ألغينا 70 في المئة من الطائفية، على أن يلي ذلك انتخاب رئيس جمهورية ينتخب من الشعب ويعطى صلاحياته.
هذا في رأينا البديل الذي تطمح إليه أجيالنا الطالعة التي لا تستحق منا أن نظلمها بتوريثها هذا النظام السياسي الطائفي الفاسد.