إكس خبر- كان مستغرَباً سقوط الجيش العراقي والموصل أمام «داعش» كعمارةٍ من كرتون. وكان مستغرَباً سقوط الجيش اليمني وصنعاء أمام الحوثيّين كعمارة من كرتون. لماذا هنا، ولماذا هناك؟
إجتاحت «داعش» شرق العراق، وتوسَّعت نحو شماله. وجاء الأميركيون سريعاً لا لضربها وإنهائها، بل لمنعِها من تجاوز حدودها المسموح بها: ممنوع إسقاط المنطقة الكردية لا في العراق ولا في سوريا. ولذلك، لم يكن مفاجئاً أن يُحرِّر الأكراد كوباني وجوارها. ولكن، ممنوع أيضاً إسقاط «داعش» لا في سوريا ولا في العراق، ومطلوب من «داعش» أن تُسقِط الحدود الوهمية بين البلدين.
لماذا؟ لأنّ رسم الخرائط الجديدة في الشرق الأوسط يستدعي ذلك. والإثباتات على انتهاء مفاعيل سايكس- بيكو بعد 100 عام عليها تتأكّد يومياً. وتعديل الخرائط في العراق وسوريا سيكون المنطلق لتعديلات في خرائط المنطقة كلّها. فالهدف الأساسي هو بلوغ الوضع الذي تعمل له إسرائيل: تقسيم المنطقة دويلات وفدراليات طائفية ومذهبية وقومية، ما يُبرّر قيامَ دولة النقاء اليهودي، الدينية-القومية.
وهذه الدولة ستكون العملاق الإقليمي الوحيد، بين دويلات ضعيفة غارقة في المناحرات. لذلك، ما يجري في اليمن يرتدي أهمّية بالغة. فهو يفتح الباب على الخليج لينخرطَ في المسار الذي يعمُّ سوريا والعراق خصوصاً، ولبنان والأردن في درجة ثانية.
وبعد سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء، يبدو اليمن أمام 3 خيارات أساسية:
1- إعادة تقسيم اليمن دوَيلتين شمالية وجنوبية.
2- إقامة نظام فدرالي يجمع اليمن حول فدراليتين أو ثلاث أو سِت، وفق ما يقترح البعض، وبناءً على الولاءات المذهبية والقبَلية. فاليمن هو بلد القبَليات في الدرجة الأولى.
3- إندلاع حربٍ أهلية. وهذا هو الخيار الأشدّ خطورةً، لكنّه ربّما يكون الأقرب إلى التحقّق.
وثمَّة من يقول: إنّ أيّاً من الخيارَين الأوّلين لن يتحقّق على البارد. فلا التقسيم ولا الفدرالية سيكونان نتيجة حوار هادئ بين المكوّنات المذهبية والقبَلية والسياسية، وقد لا يتوصّل اليمنيون إليهما من دون المرور بصراعات دمَوية وتداخلاتٍ من القوى الإقليمية المؤثّرة كالسعودية وإيران.
ولذلك، يبدو منطقياً ذهاب اليمن إلى الحرب. وسيكون ذلك أوّل مكسبٍ تُحقّقه إيران في العمق الخليجي. فمن خلاله ستتمكّن من الضغط على مجلس التعاون للانصياع في ملفّات عدة، بدءاً بسوريا والعراق ولبنان وانتهاءً بأسعار النفط.
في المرحلة السابقة، حاولَ الإيرانيون أن يلعبوا ورقة الاستقرار الداخلي في السعودية وحليفاتها الخليجيات، ولا سيّما البحرين. لكنّ المحاولات تراجعَت فجأةً لمصلحة السيطرة الحوثية في اليمَن.
ويقول محَلّلون إنّ الخليجيين ربّما أرادوا منحَ إيران جائزة ترضية في اليمن، لكي تكفّ عن خردقةِ أمنِهم. ومن هنا سكوت السعودية الضمني، هي وحلفاؤها في الداخل اليمني، عن الحراك الحوثي في مرحلة سابقة. وينتمي شيعة اليمن إلى فرقة الزيدية التي تُعتبَر قريبةً من السنّة أكثر من شيعة إيران ولبنان. وهذا المذهب بقيَ يقود العراق لأجيال طويلة. ولذلك، ربّما راهنَ السعوديون وحلفاؤهم على أنّ الحوثيين لن يكونوا ورقةً إيرانية خالصة.
وفي الواقع، لم يكن أمام السعوديين كثير من الأوراق. فاليمن ساحة لتنظيم «القاعدة». ويصعب الاختيار بين «القاعدة» العاملة لتقويض الاستقرار الخليجي، وإيران الراغبة في تحقيق أهداف مشابهة… ولكن من زاوية أخرى.
وهناك مخاوف من قيام إيران بلعِبِ الأوراق الشيعية في هذه الدوَل. لكنّ إيران استفادت من الإرباك الخليجي للتوسّع في اليمن من خلال الحوثيين حلفائها الأوفياء، كما شيعة العراق و»حزب الله» والرئيس بشّار الأسد. وسيثبت للجميع أنّ المراهنة على التمييز بين الحوثيين وسائر حلفاء إيران ليس في محَلّه.
واندلاعُ الحرب الأهلية في اليمن سيورّط الخليجيين فيها، شاؤوا أم أبوا، لاعتباراتٍ أبرزُها الجغرافيا والديموغرافيا. وإذا حصل ذلك، فالخليج العربي سيكون أمام الاستحاق الأوّل من نوعه. فلم يسبق للخليج أن عاش حرباً أهلية تعنيه إلى هذا الحدّ.
فخصائص الحرب في العراق تعني سوريا أكثر من الخليج. وأمّا اليمن، المحاذي جغرافيّاً للسعودية وعُمان فقط، فهو شأنٌ خليجيّ في امتياز. فهل يكون اليمن هو المفتاح الخليجي لأبواب الجحيم؟
الكاتب: طوني عيسى